في عز الاضطراب والقلق الذي خلفه ولايزال وباء كوفيد- 19 على نفسية الكثيرين ممن لم يتعودوا على القيود على الحركة والحرية في التنقل خاصة خلال شهر رمضان الفضيل، وفي خضم اتساع رقعة انتشار هذا الفيروس، وجد البعض العزاء في “النوستالجيا” أو العودة بذاكرتهم إلى ماضيهم يغرفون من رصيد ذكرياتهم التي خلدوها بالصور أجمل اللحظات وأسعدها يعيدون تقاسمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لتعزيز المشاعر الإيجابية في أفق الخلاص من الجائحة ومن تداعياتها.
ففي زمن الطوارئ الصحية خلال شهر رمضان حيث يجد البعض فرصة للمطالعة والقراءة، ويقضي آخرون لياليهم في الذكر والتعبد وتدبر القرآن، تهيأت لكثيرين فرصة العودة لماضيهم والانطلاق إلى رحاب واسعة تتخطى حدود الزمان والمكان من خلال النشر الرقمي لذكرياته، وذلك في إطار حملة واسعة بعنوان “أنا قبلت التحدي – انشر صورة للايجابية” لاقت إعجاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي وحصلت على تفاعل كبير.
ويقوم مضمون هذه الحملة على أن ينشر الأشخاص صورا لهم عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على موقع “فايسبوك”، تحمل معاني الإيجابية، وذلك لرفع المعنويات واستبدال حالة القلق عند البعض حيال الأخبار السلبية والزائفة المتواترة عن ضحايا فيروس كورونا حول العالم، وماخلفه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية.
ويصف لحسن، أستاذ بالتعليم الثانوي، هذه المبادرة بالحدث الإيجابي باعتبارها تقوم على نشر صور تمثل الجانب المشرق للحياة، المليء بالفرح والأمل، في مواجهة الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية.
ففي ظل “الأسر” الذي فرضه على الناس وباء كوفيد- 19 داخل الجدران، يستحضر الإطار التربوي في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، ذكريات الأمس البعيد القريب، ويعود به الحنين إلى الماضي، إلى أيام الطفولة والمرح، في مواجهة تحديات هذه اللحظة العصيبة من الحياة ورتابتها، تحد للقلق والخوف.
ويقول في هذا الصدد إنه نشر بعض من صور تؤرخ لذكرياته الجامعية التي تقاسمتها مع زملائه في الدراسة برحاب كلية الاداب والعلوم الانسانية بمكناس في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
هناك مواقف كثيرة ومتعددة ترجع بالمرء إلى ماضيه، يؤكد لحسن، مضيفا أن الحنين إلى أيام وليالي الألفة والمحبة والصداقة وتذكرها يبث الشعور لديه بالطمأنينة ويمنحه إحساسا بوجود قوة تقاوم الشعور برتابة الحجر الصحي في الليالي الرمضانية.
هذه العودة إلى الماضي تكررت بصيغة أخرى مع عبد الله، الإطار البنكي، الذي لجأ إلى ألبوماته التي رتب صورها بعناية فائقة وفق تسلسل زمني متصاعد، يقلب صفحاتها وأبناؤه الثلاثة متحلقون حوله. هذه تؤرخ لجزء من طفولته، وأخرى تسجل لحظات ريعان شبابه ورحلاته ومغامراته ودراسته الجامعية، وأخرى توثق مراسم حفل زفافه ومناسبات ختان وعقيقة الأطفال.
يسرد عبد الله لأبنائه وهم يلقون السمع له، حكايات صوره في كل ليلة من ليالي الحجر المنزلي الرمضاني. يحكي لهم عن تفاصيل لحظات حياته في كل صورة دون تاريخها على ظهرها وكأنه يستعرض أمامهم شريطا وثائقيا لسيرته الذاتية بكل آمالها وآلامها، خيباتها وطموحاتها.
يقول عبد الله في تصريح مماثل إن هذه الصور تذكره ب”الزمن الجميل الذي ارتبط بأسرة وجيران وأناس وأصدقاء وأمكنة عشت بها ومررت بها. إنها لحظات تحمل المشاعر الحنينة والدافئة التي عشتها وأتقاسمها الآن مع صغاري”.
هذا الشعور “النوستالجي” هو ما يحدو أمينة، الطالبة الجامعية ذات الثلاثة والعشرين ربيعا، التي رأت في تقاسم صورها مع أترابها فرصة لاستعادة بعض من ذكريات طفولتها، قبل أن يمضي بها الزمن وتجد نفسها مثل سكان العالم في مواجهة جائحة كوفيد-19.
تؤكد أمينة في تصريح مماثل إن هذه الذكريات “تثير في نفسي مشاعر ممتزجة ما بين السعادة والألم والشجن والحزن”، كما أنها “تحمل حنيني إلى صديقات افتقدتهن كثيرا وإلى الأيام الخوالي.. أيام الطفولة البريئة والزمن الجميل وبساطة الحياة”.
وتقول إن الهروب من ضبابية اللحظة الراهنة وتسارع وتيرة الحياة هو يدفعني إلى الغوص في ماضي حيث تحلو الذكرى وتطيب الذكريات.
المصدر: الدار– وم ع