قراءة في كتاب “مطارحات حول المجتمعات الإسلامية في سياق العولمة” للدكتور أحمد عبادي (2)
الدار / خاص
نشرت البوابة الالكترونية للرابطة المحمدية للعلماء، قراءة لكتاب “مطارحات حول المجتمعات الإسلامية في سياق العولمة”، للدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة، وهو ضمن منشورات كلية أصول الدين بتطوان.
وقدم هذه القراءة الدكتور حسان الشهيد، أستاذ التعليم العالي، بكلية أصول الدين وحوار الحضارات، بمدينة تطوان.
ويسر موقع “الدار” أن يقدم لقرائه هذه القراءة في حلقات، لما تنطوي عليه من عمق فكري، وطرح منهجي لامس فيه الدكتور أحمد عبادي تحديات ورهانات المجتمعات الإسلامية في سياق العولمة”.
أما الأولى: فهي مرتبة الوجود العيني المشخص؛ أي عين هذا الواقع الذي نعيش ونحيى فيه، فالواقع له سُنَن وقوانين لا يمكن بدون الوعي بها أن يُتعامل برشد وفاعلية معه، أو أن يتم تسخيره.
والثانية من مراتب الوجود: فمرتبة الوجود الذهني؛ حيث يتم فيها، النقل للمعلومات والمدركات، من الوجود العيني المشخص إلى الوجود الذهني، وهو نقل قد تقع فيه انكسارات معرفية.
والثالثة: مرتبة الوجود اللفظي؛ كيف أعبر؟ كيف أنقل هذا الذي نقلته إلى ذهني إلى الآخر؟ وقبل ذلك، كيف خزّنته؟
وأما الرابعة فهي مرتبة الوجود البَنَاني (الكتابي): وتعتبر الصورة النهائية لتشكل المراتب السابقة
والخامسة المحينة حضاريا ووجوديا، فهي مرتبة الوجود الافتراضي: وهي مرتبة لها قوتها الضاربة اليوم؛ فالذاكرات الافتراضية، هي الأكثر حضورا، غير أنها بدورها تحصل معها انكسارات معرفية لابد من رصدها والحرص على تصحيحها، ولابد أن نستثمر بجدية كبيرة، في مجال النظر، والتحليل، والرصد، وفي الكيفية التي تتوارث بها المعارف والمعلومات عبر مراتب الوجود المختلفة.
في حين ينظر المبحث الثالث في العولمة وعملية الانتقال من ضبط سلسلة الإدراك إلى بناء شبكة التمثلات، إذ صدره الدكتور بملحظ متبصر مفاده:” أن الذي يرصد مختلف العولمات التي شهدها هذا الكويكب الصغير، سوف يجد أن لها علاقة عضوية بكيفية الإدراك؛ لأن طبيعة الإدراك، ومنهج الإدراك يكون وراء التكييفات التي سوف تتجسد، بحسبها وتأسيسا عليها، أفعال الإنسان ([12]) وينبني على سلسلة الإدراك، باعتبارها قاعدة شبكة تمثلات مقومات خمسة كبرى:
أما المقوم الأول: فهو شبكة التصورات؛ ذلك أن “الحضارة التي تقود العولمة تكون عند تمثلاتها وتصوراتها، كما سبقت إليه الإشارة، قدرة تفسيرية للحياة وللأحياء، وإذا لم تكن في مقابلها قدرة تفسيرية مساوية، أو أقوى، فإن الاستلحاق إلى هذه القدرة التفسيرية الغالبة سوف يكون حتميا” ([13]).
وأما المقوم الثاني فهو البعد القيمي؛ ولعل”القرآن المجيد فيه خارطة قيمية في غاية الوضوح، حيث إنك ترى في القرآن المجيد سلالم قيمية، وترى كيف أن هذه القيم تتغير من حيث أولويتها بحسب مواضعها في القرآن المجيد، فهناك مواطن يكون فيها الإيثار قيمة عليا، وأخرى تكون فيها التضحية قيمة عليا، وفي أخرى العلم”([14]).
في حين يقوم الثالث على التشريعات؛ التي تعد مضمار معركة حامية الوطيس لاعتمال قضايا حارقة ومؤرقة لإنسان اليوم، “كقضية حقوق الإنسان، والتي يعد الغرض منها، بالشكل الذي تم التوافق عليه كونيا، هو الحرية والكرامة للإنسان، ولكن، لا شك أن هناك تأسيسا لهذا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان على مرجعيات، ليست بالضرورة هي مرجعيتنا نحن. فالحل ليس أبدا في الانغماس الكلي، ولا في الرفض الكلي غير المشروط، وإنما هو في تثمير الهوامش المتاحة”([15]).
أما الرابع: فهو مقوم السلوك؛ لأن الأمة تمتلك رصيدا قويا و”ترسانة هائلة هادية في جوانب السلوك، وهي منظومة بديعة جاذبة؛ فالرسول، صلى الله عليه وسلم، عَلّمنا كل شيء، حتى الدخول إلى الخلاء، وحتى الخروج منه، حتى لبس الثوب الجديد، حتى ما نقوله عند نحر الأضحية، وحتى ما الذي أقوله حين أريد أن أحلق رأس المولود الجديد، وما الذي أقوله إذا أردت أن أقص أظافري، وهو ما يشكل خارطة من التفاصيل ليست موجودة بمثل هذا الضفاء في حضارة أخرى، وهي كلها بركة”([16]).
وأخيرا، يعتبر الكاتب ثنائي اللغة والتواصل ذي أهمية بالغة، “لأنه الحمّال للمشاعر والمعاني، والمعطيات والمعارف، ومتى ما انضبط، وانتسج بوضوح وبهاء، صارت له الجاذبية التي تستدمج أهل الحضارات الأخرى”([17]).