إسلاميات… وقفة مع الإصدارات المناهضة للإسلاموفوبية في فرنسا (2/2)
بقلم ✍️ منتصر حمادة
توقفنا في حلقة أمس عند أربعة كتب مصنفة في خانة الخطاب الإسلاموفوبي، أي الخطاب الذي يعادي الإسلام والمسلمين، أو الخطاب الذي يعادي الإسلاموية بالتحديد، بمعنى لا يعلن العداء أو رفض الإسلام والمسلمين، ولكنه لديه مواقف نقدية من الإسلاموية، وإن كان من الصعب تصنيف هذا الخطاب ضمن الخطاب الإسلاموفوبي، على اعتبار أن نقد الإسلاموية، توجد في الدول العربية والإسلامية قبل الدول الغربية، لولا أن أي نقد لها، من منظور الإسلاميين، يُصنف ضمن الخطاب الإسلاموفوبي، كما نعاين ذلك في ما يصدر عن الأقلام الإخوانية على الخصوص، المحلية والفرنسية.
نتوقف في حلقة اليوم، عند نموذج مضاد لإصدارات أمس، من خلال التعريف العابر بأربعة كتاب فرنسية، تنتقد الخطاب الإسلاموفوبي، وبالتالي، يمكن الجزم أننا إزاء خطاب استشراقي منصف للإسلام والمسلمين.
يتعلق الأمر بالأعمال التالية، ضمن أعمال أخرى، نجدها في الساحة هناك:
ــ كتاب “الإسلاموفوبيا: كيف تفبرك النخبة الفرنسية المشكل الإسلامي” (2016) من تأليف مروان محمد وعبد العالي حجات، والعمل سفر بحثي مركب في ظاهرة الإسلاموفوبيا، مع تغييب شبه كلي للمُسببات الخاصة بالظاهرة الإسلامية الحركية، بحكم مرجعية أحد مؤلفيه، المقربة من المرجعية الإسلاموية، وهذا أمر متوقع في الخطاب النظري الإسلامي الحركي، المعروف بعدة مميزات، منها غلبة هاجس المؤامرة، ولأهمية القلاقل التي يُثيرها الخطاب الذي جاء في هذا الكتاب، ولتواضع الوعي بهذه الإشارات، إما عن جهل أو عن تقية، سوف نتوقف بالتفصيل النقدي عند مضامين الكتاب في عرض خاصة به.
كيف تفبرك النخبة الفرنسية المشكل الإسلامي” (2016) من تأليف مروان محمد وعبد العالي حجات، والعمل سفر بحثي مركب في ظاهرة الإسلاموفوبيا، مع تغييب شبه كلي للمُسببات الخاصة بالظاهرة الإسلامية الحركية.
ــ كتاب “الإسلام المتخيل” لطوماس ديلطومب، واجتهد المؤلف في طرح مجموعة أجوبة حول أسباب الحملات الإعلامية التي تتطرق لقضايا الإسلامي والتي تختزل المشهد الإسلامي في عناوين أصبحت شبه قارة في المتابعات الإعلامية، من قبيل “التهديد الإرهابي”، “الانحراف الطائفي”، “تهديدات ضد الجمهورية”، “المشكل الإسلامي”، “المعضلة الإسلامية”، وعناوين من هذه الطينة. وتطلب الاشتغال النقدي على الخطاب، تدقيقاً في مضامين نشرات الأخبار بالقنوات الفرنسية وعناوين الصحف، في فترة امتدت إلى ثلاثة عقود، منذ أحداث 1979 في إيران إلى قضايا الحجاب، مروراً بأحداث 11 سبتمبر 2001، وخلُص إلى أن الشاشة الصغرى موازاة مع أهم المنابر الإعلامية، ساهمت في فبركة “متخيل إسلامي”، أفضى لاحقاً إلى التعامل مع المسلم كأنه وصمة عار.
ــ كتاب “الهوس الإسلامي: لماذا تشيطن فرنسا المسلمين؟” (2017)، لطوماس غينولي، وميزة هذا الكتاب أنه يقوم بتبسيط مفاهيم الإسلام، عقيدة وممارسة، بأسلوب واضح ومفصل، مع توجيه النقد للفعاليات السياسية والنخبة الفكرية في فرنسا التي تتحدث عن “التهديد الإسلامي”، معتبراً أنه لا يليق بفرنسا أن تصبح محطة من محطات “صدام الحضارات” بتعبير صامويل هنتنغتون، مورداً مجموعة وقائع محلية ودولية تفند خطاب الصدام، إلى درجة اشتغاله على نقد “نظرية الحقد” السائدة لدى بعض النخب الفرنسية، ومعه كرة الثلج التي تكبر في الساحة الفرنسية بسبب الحقد ضد المسلمين. كما توقف المؤلف عند بعض الصور النمطية المغلوطة التي يُروجها الإعلام الفرنسي حول المسلمين في فرنسا، وذات صلة باختزال الإسلام في العرب، أو اختزال الإسلام في الإسلاموية، مستعرضاً مجموعة بدائل من قبيل البدائل القانونية لمواجهة هذا الخطاب، مذكراً بأن الإسلام في المجال الإسلامي وفي فرنسا، لا يمكن أن يُختزل في نمط معين من التديّن.
ــ أسطورة الأسلمة: مساهمة حول هوس جماعي، للباحث في علم الاجتماع الديني رفائيل ليوجيه (2016)، وللمؤلف عمل سابق ينتصر للمشترك الإنساني بعنوان “حرب الحضارات لن تقع” (2016)، وتتمحور أطروحة الكتاب حول نقد الاتهامات الصادرة عن النخب الفرنسية في السياسة والفكر والإعلام، بخصوص أسلمة المجتمع الفرنسي، حيث يعتبر المؤلف أن هذه الاتهامات تكرس إسلاموفوبيا عادية سائدة لدى خطاب اليمين الفرنسي المتشدد بالدرجة الأولى، ولا تهم أغلب الفرنسيين، على غرار ما نعاينه ما مواقف الإسلاميين، الذين هم قلة مقارنة مع المسلمين الذين لا علاقة لهم بالإسلاموية.
تتمحور أطروحة الكتاب حول نقد الاتهامات الصادرة عن النخب الفرنسية في السياسة والفكر والإعلام، بخصوص أسلمة المجتمع الفرنسي.
وخلُص المؤلف بأن هذه المخاوف الفرنسية التي تزعم أن هناك موجهة إسلامية سوف تغزو رقميا وثقافياً أوربا عبر البوابة الديمغرافية، والهجرة واعتناق الإسلام، لا تعدو أن تكون أوهام لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع. أما “عودة الديني” لدى نسبة معنية من الشباب المسلم في فرنسا، فلا تفيد بالضرورة أنها ذات صلة بأطماع سياسية وتوسعية، وإن كانت تتقاطع في جزء منها مع الحالة الجهادية، التي تبقى حالات خاصة عددياً مقارنة مع عدد مسلمي فرنسا، مضيفاً أن الخطاب الإسلاموفوبي أشبه بالبحث عن “عدو مسلم”، يما يُفسر ترويج الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين هناك.
بهذه الوقفات مع إصدارات تدور في فلك الإسلاموفوبيا، إما معها أو ضدها، آن الأوان للتوقف عند أهمية تأمل هذه الإصدارات، وقد أحصينا عدة جوانب في هذا الصدد:
ــ أولها أنها تساعد المتلقي، المسلم وغير المسلم، داخل وخارج فرنسا، على عدم اختزال الإسلاموفوبيا في خطاب نمطي موحد، صالح لكل سياق مجتمعي وثقافي، بينما الأمر خلاف ذلك، كما نعاين في طبيعة اتجاهات هذه الإصدارات، من فرط التباين والاختلاف في المرجعيات وبالتالي الاختلاف في المضامين والخلاصات، لأن أي خطاب إسلاموفوبي لفاعلي سياسي يميني ضد المسلمين، سيكون بالضرورة مختلفاً عن أي خطاب لفاعل سياسي يساري، وتزداد حدة هذا الخطاب الإسلاموفوبي عندما يكون المستهدف بالنقد المشروع الإسلاموي، لأنه أكثر إثارة للقلاقل والمشاكل هناك مقارنة مع المشاكل الصادرة عن المسلمين غير المعنيين بالانتماء لحركة إسلامية أو تيار إسلاموي، وخاصة المشروع الإخواني وبدرجة أقل المشروع الجهادي، كما نعاين ذلك منذ عقدين على الأقل.
ــ ومنها أيضاً أنه إذا انطلقنا من عدة مرجعيات في قراءة ظاهرة الإسلاموفوبيا، فإن هذا المعطى يتطلب الحذر المنهجي من أي خطاب مضاد للإسلاموفوبيا، عبر معرفة مرجعية صاحبه، ومن ذلك، وجود فوارق بين اعتراض متتبع مسلم على خطاب الإسلاموفوبيا الذي يستهدف المسلمين، واعتراض إسلامي حركي على الخطاب ذاته، لأن الأرضية المرجعية للمسلم لا علاقة لها بأي ارتباطات إيديولوجية إسلاموية، كما عاينا ذلك مراراً في الساحة الفرنسية، سواء جاء أداء هؤلاء بشكل فريد، لا يخرج عن هاجس الدفاع عن المشروع، أو جاء بشكل مؤسساتي، كما هو الحال مع ما كان يقوم به “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا”، قبل حله في نونبر 2020 بقرار صادر عن رئاسة الحكومة الفرنسية.
إذا انطلقنا من عدة مرجعيات في قراءة ظاهرة الإسلاموفوبيا، فإن هذا المعطى يتطلب الحذر المنهجي من أي خطاب مضاد للإسلاموفوبيا، عبر معرفة مرجعية صاحبه، ومن ذلك، وجود فوارق بين اعتراض متتبع مسلم على خطاب الإسلاموفوبيا الذي يستهدف المسلمين.
ــ وأخيراً، تساعد هذه الإصدارات المتتبع على عقد مقارنات بين الفوارق التي نعاينها في الخطاب الإسلاموفوبي الذي يعادي المسلمين والخطاب الإسلاموفوبي الذي يعادي الإسلاميين، حيث يبقى الأول متواضعاً في الساحة، بل كان هذا الخطاب نادراً منذ عقدين، مع بعض استثناءات، بينما يطغى الخطاب الثاني بشكل واضح في أغلب ما يصدر عن الأقلام الإسلاموفوبيا، وليس صدفة أنه لم تكن الساحة البحثية الفرنسية، ولا الساحة الإعلامية والسياسية تعج بهذه الوتيرة من الخطاب الإسلاموفوبي كما تعج به منذ مطلع الألفية الثالثة تقريباً، وذلك بسبب ارتفاع مؤشر الإسلاموية، وبالتالي ارتفاع نقدها، ويُعتبر هذا المحدد، أحد أسباب الإسلاموفوبيا، في لائحة الأسباب الخاصة بالمسلمين، رغم أن أغلب مسلمي فرنسا لا علاقة لهم أساساً بهذه الإيديولوجيات التي تبقى أقلية عددية، سواء في فرنسا أو في الدول العربية والإسلامية.