إسلاميات…. مفاتيح نظرية لمواجهة مسلمي فرنسا للإسلاموفوبيا
بقلم ✍️ منتصر حمادة
بعد أن توقفنا في حلقات سابقة عند معالم الإسلاموفوبيا في الساحة الفرنسية، ومعالم التفاعلات البحثية معها، سواء كانت مدافعة عنها أو ضدها، موازاة مع التفاعلات الصادرة عن منظمات المجتمع المدني، وفي مقدمتها ما كان يصدر طيلة عقد ونيف، عن “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا”، المحسوب على الخطاب الإسلامي الحركي، قبل حله رسمياً في 20 نوفمبر 2020، آن الأوان للتوقف عند سؤال يهم بشكل مباشر أداء مسلمي فرنسا في سياق التعامل مع هذه المعضلة، وصيغته كالتالي: ما هي السبل النوعية والمثالية لمواجهة الإسلاموفوبيا في فرنسا، بعيداً عن حسابات أتباع الإسلاموية التي توظفه لعدة اعتبارات، منها الاعتبار الخاص بالأقلية المسلمة، ومنها أيضاً الاعتبار الخاص بمصالحها الإيديولوجية؟
تكمن أولى خطوات الإجابة على هذه المعضلة العملية في طرق البوابة النظرية، والتي تتطلب من مسلمي فرنسا، التفرقة بين أنواع هذه الإسلاموفوبيات، وقد سلف الذكر أنه لا توجد إسلاموفوبيا واحدة ونمطية يمكن أن تكون صالحة لجميع السياقات والأزمات التي تندلع بين الفينة والأخرى، من قبيل ما عاينا ما أزمة رواية سلمان رشدي، والتي تم تصنيفها في خانة الإسلاموفوبيا، وتمّ على الخصوص توظيفها من طرف المحور الإيراني ــ الشيعي، عبر ما اصطلح عليه حينها بـ”فتوى الخميني”، مع أنه أكثر من مليار من المسلمين، لم يصدر عنهم أي تفويض يُخَول للخميني أو غيره، أن يتحدث باسم المسلمين.
هذا التوظيف الشيعي الإيديولوجي، يتكرر بصيغة أو بأخرى، مع التوظيف الإسلاموي الإخواني في الساحة الفرنسية، عند اندلاع كل قضية تصنف في خانة الإسلاموية، ومن هنا ضرورة تدقيق مسلمي فرنسا في طبيعة هذه الإسلاموفوبيات، لأنه شتان ما بين إسلاموفوبيا لديها عداء ضد الإسلام والمسلمين، أي إسلاموفوبيا يمينية متشددة، أو ملحدة، وهي أقلية إجمالاً حتى في الأوساط اليمينية، وبين إسلاموفوبيا لديها مشاكل مع الإسلاموية، لأنها لا تقصد الإسلام وإنما تقصد خطاباً إسلامياً حركياً، يتسبب في مشاكل للمسلمين ولغير المسلمين، وبشهادة نسبة من النخبة البحثية المسلمة في الساحة الفرنسية؛ وبالتالي، لا يمكن وضع أنواع الإسلاموفوبيات في الخانة نفسها.
هذا التوظيف الشيعي الإيديولوجي، يتكرر بصيغة أو بأخرى، مع التوظيف الإسلاموي الإخواني في الساحة الفرنسية، عند اندلاع كل قضية تصنف في خانة الإسلاموية.
بعد مرحلة التدقيق النظري، تأتي مرحلة الفعل، ولكن هناك معضلة موازية تسبق هذه المرحلة، وهي تواضع وعي الأقلية المسلمة بهذه التفاصيل والتدقيقات، أخذاً بعين الاعتبار تواضع نسبة التعليم عند مختلف أجيال الأقلية المسلمة، لأنه من الصعب أن تكون نسبة كبيرة من الأقلية المسلمة، وعددها يناهز سبعة ملايين نسمة، على وعي بالفوارق بين خطاب إسلاموفوبي يعادي الإسلام، وخطاب إسلاموفوبي يعادي خطاباً إسلاموياً ما، وهنا بالذات، تكمن مرحلة وسط بين الوعي النظري والعمل الميداني، وهي مهمة الطبقة الوسطى لدى الأقلية، أي مسؤولية النخب البحثية والإعلامية والفاعلة في المنظمات الأهلية وغيرها، إضافة إلى مسؤولية الأئمة والدعاة والوعاظ في المساجد والمراكز الإسلامية والثقافية وغيرها، بصرف النظر عن وجود نسبة من هذه الفئة الدعوية، تشتغل لحساب المنظومة الإسلاموية، فهذا متوقع منها، لأنها وفية لخطابها الإيديولوجي
لنقل إن الأقلية المسلمة في فرنسا، وفي سياق تفاعلها مع معضلة الإسلاموفوبيا بشكل عام، تبقى في أمس الحاجة إلى وعي نوعي، يتطلب حضوراً بحثياً وتوعوياً في الضواحي وفي الإعلام المحلي وفي مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا يتم ترك الساحة للفراغ، الذي تستغله الحركات الإسلامية.
وحتى في مرحلة التفاعل مع الخطاب الإسلاموفوبي، فإن التراث الإسلامي يتضمن عدة مفاتيح كفيلة بأن يكون ذلك التفاعل في المستوى، بعيداً عن خطاب الصدام وإثارة الأزمات، سواء تعلق الأمر بما جاء في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أو ما جاء في المدونة التراثية، من قبيل ما نجده في الأدبيات الصوفية، على سبيل المثال لا الحصر، مع التذكير هنا أن تلك الأدبيات الصوفية، كانت إحدى بوابات اعتناق الإسلام من طرف فرنسيين.
حتى في مرحلة التفاعل مع الخطاب الإسلاموفوبي، فإن التراث الإسلامي يتضمن عدة مفاتيح كفيلة بأن يكون ذلك التفاعل في المستوى، بعيداً عن خطاب الصدام وإثارة الأزمات.
وهذا يُحيلنا على معضلة ذاتية قائمة في أوساط الأقلية المسلمة نفسها، بعيداً عن طبيعة تفاعل النخب الفرنسية، أياً كانت مرجعيتها الثقافية والإيديولوجية، وعنوان هذه المعضلة، ارتفاع مؤشر الاستقطاب الديني في داخل أوساط الأقلية، مع كثرة الإسلامويات التي تصارع على الظفر بشعبية لدى الأقلية، وتباين المصالح السياسية والإيديولوجية للدول التي تقف وراء هذه المؤسسات الدينية والثقافية، إضافة إلى معضلة الصدام القائم بين التيارين الإصلاحي والمتشدد، وهذا ما كانت تحذر منه بعض الأقلام الاستشرافية منذ عقدين تقريباً، نذكر منها الباحثة جوسلين سيزاري، الخبيرة في قضايا الإسلام الأوربي، عندما اعتبرت منذ عقد ونيف، أن “التحدي الحقيقي القادم بالنسبة للأقليات المسلمة في الغرب، يكمن في تطور التوترات بين التيار الإصلاحي المنفتح والتيار المتشدد المنغلق لدى أوساط الأقلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كلاهما أقلية هناك لدى أوساط الأقليات، خاصة أن مصير هذا التطور سيكون حاسماً في اتجاهين اثنين على الأقل: اتجاه يهم أداء الأقليات المسلمة في الساحة، واتجاه آخر يهم أداء السياسيات العمومية الغربية في تعاملها مع قضايا إدماج هذه الأقليات”. (الإسلام وتحدي الغرب، 2004، ص 263)
صدر هذا التحذير سنة 2004، ولا زال راهناً حتى بعد مرور حوالي عقدين، بالصيغة التي جاءت في تحذير معاصر، صدر سنة 2016 عن جيل كيبل في كتابه “الانكسار”، ويقصد الانكسار المعرض له المجتمع الفرنسي بسبب هذه المزايدات والصدامات القائمة بين ثلاثة تيارات:
ــ ما يصدر عن الإسلاموية الجهادية، بما يتسبب في مشاكل للأقلية المسلمة، وفي مواجهة هذه المعضلة، تظهر حملات ضد الإسلاموفوبيا تساهم في تأزيم واقع الأقلية، من خلال لعب دور الضحية، ويقصد هنا ما يصدر عن الإسلاموية السياسية، في نسختها الإخوانية.
ــ التوظيف السياسوي الصادر عن بعض الفعاليات الحزبية الفرنسية، وخاصة الأحزاب اليمينية، من أجل استغلال هذه الأحداث في الاستحقاقات الانتخابية، وهو التوظيف الذي يتم على حساب مصالح الوطن.
ــ التوظيف السياسي المضاد، الذي يوظف تعاطف الجاليات العربية والأقلية المسلمة، مع التركيز على المحددين العرقي والديني، قصد تشكيل قاعدة انتخابية مضادة للقاعدة المنافسة التي تبحث عنها الأحزاب اليمينية. (الانكسار، 2016، ص 261)
هذا غيض من فيض التحديات المرتبطة بواقع الأقلية المسلمة في فرنسا، في تفاعلها مع هذا الاستقطاب الإيديولوجي القائم بين الإسلاموفوبيا والإسلاموية.
التوظيف السياسي المضاد، الذي يوظف تعاطف الجاليات العربية والأقلية المسلمة، مع التركيز على المحددين العرقي والديني، قصد تشكيل قاعدة انتخابية مضادة للقاعدة المنافسة التي تبحث عنها الأحزاب اليمينية.