الدين والحياةسلايدر

إسلاميات… مقدمات في تباين القراءات الخاصة بالإسلاموية الفرنسية

بقلم ✍️ منتصر حمادة

تحاول هذه المقالة الإجابة على سؤالين متداخلين:

1 ــ كيف نفسر تباين الاشتغال البحثي على الحركات الإسلامية في الساحة الفرنسية؟ فرغم وجود عدة تيارات، من قبيل التيار الدعوي (الدعوة والتبليغ)، والتيار الذي تربى على هاجس السياسة والاختراق والتقية (التيار الإخواني)، والتيار المحسوب على ظاهرة “التطرف العنيف”، أي الظاهرة الجهادية، نعاين تبايناً واضحاً في الاشتغال البحثي، حيث الغياب شبه الكلي للاشتغال على خطاب جماعة “الدعوة والتبليغ” وبدرجة أقل الاشتغال على الخطاب الصوفي، باستثناء ما يصدر عن بعض الفاعلين فيه، على قلة تلك الإصدارات، مقابل كثرة الإصدارات خلال السنوات الأخيرة على الظاهرة الجهادية، وتواضع الاشتغال على الخطاب الإخواني، رغم التحديات التي يمثلها المشروع الإسلاموي في النسخة الإخوانية، إلى درجة أن الأمر في نوفمبر 2020 إلى حلّ “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا”، المحسوبة على هذه المرجعية، وبإقرار وزير الداخلية الفرنسي.

2 ــ أخذاً بعين الاعتبار تعقيدات المشهد الإسلامي في فرنسا، سواء تعلق الأمر بالمشاكل التي توجه تديّن مسلمي فرنسا، مع الخطاب الإسلاموي والخطاب الإسلاموفوبي، أو بالسائد مع القلاقل الخاصة بالحالة الإسلاموية حصراً، أيهما أولى بالاشتغال البحثي عند الباحثين والمتتبعين، لأنه يصعب التفرغ للاشتغال على كل تفاصيل هذا المشهد الإسلامي المركب والمعرض للمزيد من التحديات؟

في التفاعل مع السؤال الأول، لا يمكن فصل أسباب هذا التباين في الاشتغال البحثي على الحركات الإسلامية، عما يُميز ويُفرق بين هذه الحركات، ومعها مُجمل أنماط التديّن، حيث نجد الخطاب الصوفي والخطاب السلفي والخطاب الإخواني، إضافة إلى الحالة الجهادية التي لا يمكن حصر أسبابها في محدد واحد كما خلصت إلى ذلك مجموعة من الإصدارات، وخاصة الأعمال التي صدرت بين 2016 و2020، ثم حالة جماعة “الدعوة والتبليغ” التي تصنف في خانة الحركات الإسلامية الدعوية على غرار التيارات السلفية.

لا يمكن فصل أسباب هذا التباين في الاشتغال البحثي على الحركات الإسلامية، عما يُميز ويُفرق بين هذه الحركات، ومعها مُجمل أنماط التديّن.

إذا أخذنا بعين الاعتبار غَلَبة الهاجس التربوي والدعوي على أنشطة هذه الجماعة، فطبيعي أن نعاين ندرة في الاشتغال البحثي عليها، وبالكاد نعاين بعض الوقفات عند أداءها كما جرى في مضامين التقرير الصادر عن لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ الفرنسي، والمؤرخ في 7 يوليو 2020، والذي خلص إلى أن جماعة “الدعوة والتبليغ”، تبقى جمعية وعظ إسلامي إحيائي، تحظى بشعبية في الدوائر الهندية الباكستانية، إلا أن التبليغ هي أيضاً حركة طائفية، ورغم زعمها كونها غير مسيّسة، فهي مع ذلك تدعو إلى تبني منطق القطيعة مع المجتمع الفرنسي، وأضاف أيضاً أنها غالباً ما تمهد الأرضية للسلفية.

تتقاطع هذه الخلاصات النقدية مع الخلاصات ذاتها التي تهم التيار السلفي، مع فارق أن تيار أو وزن جماعة “الدعوة والتبليغ” يبقى هامشياً أو متواضعاً مع وزن التيار السلفي، بدليل سابقة الحديث عن أرقام به خاصة به، على غرار الأرقام الخاصة بالحضور الإخواني، وهذا موضوع كان خارج دائرة التفكير منذ بضع سنوات، أي إن الخطاب البحثي والإعلامي والسياسي في الساحة الفرنسية، كان يتطرق للملفين معاً، إضافة إلى الخوض في معضلة الحالة الجهادية، دون التدقيق في طبيعة الوزن التنظيمي لهذه المشاريع، وهذا ما أصبحنا نعاينه مؤخراً، عبر التدقيق في تلك الأرقام، من قبيل الحديث عن عدد سلفيين يناهز 40 ألفاً أو أن عدد أتباع الخطاب الإخواني الذي يناهز 50 ألفاً.

هذه نتيجة متوقعة للقلاقل التي أصبحت مرتبطة بهذه التيارات، على غرار ما عاينا مع الخوض في موضوع التقية، والذي كان ملفاً بعيداً كلياً عن الخوض فيه إلى غاية عقد تقريباً، ولكنه أصبح متداولاً بوتيرة أكبر خلال السنوات الأخيرة، إلى درجة صدور كتاب تحت عنوان “التقية: كيف يخترق الإخوان المسلمون فرنسا” [البلديات، الجامعات، الإعلام، الأحزاب، الجمعيات.. إلخ] لمؤلفه الإعلامي محمد الصيفاوي.

موازاة مع الخطاب السلفي والخطاب الإخواني، وبدرجة أقل خطاب جماعة “الدعوة والتبليغ” الذي لا يثير كثير اهتمامات بحثية، لعدم تورطه ميدانياً في قضايا وملفات “التطرف العنيف”، رغم بعض المؤاخذات عليه كما جاءت في تقرير مجلس المستشارين سالف الذكر، نجد الخطاب الخاص بالحالة الجهادية والخطاب الصوفي:

لا يمكن فصل أسباب هذا التباين في الاشتغال البحثي على الحركات الإسلامية، عما يُميز ويُفرق بين هذه الحركات، ومعها مُجمل أنماط التديّن.

ــ نبدأ بالخطاب الخاص بالحالة الجهادية، فتحصيل حاصل أن يكون مرد توجس ومتابعة بحثية، وخاصة خلال السنوات الأخيرة، بعد منعطف اعتداءات شارلي إيبدو المؤرخة في 13 يناير 2015، وهذا أمر متوقع، لأنه أينما حلت الظاهرة الجهادية، وإلا عاينا القلاقل الأمنية والدينية بسبب ما يصدر عنها، إلى درجة أن دولة عريقة مثل مصر، اضطرت خلال السنوات الأخيرة، إلى اللجوء للبوابة الدرامية والفنية، من أجل المساهمة المركبة والمتشعبة في التصدي لهذه الظاهرة، كما هو قائم عملياً مع مجموعة من الأعمال الفنية، وخاصة الأعمال التي تبث خلال       شهر رمضان، حيث تحظى نسبة المتابعة  بأرقام كبيرة مقارن مع باقي أشهر السنة، والحديث عن مسلسل “الاختيار” و”مسلسل “القاهرة وكابول”، وأعمال أخرى تهم الإسلاموية بشكل عام.

ــ فيما يتعلق بالخطاب الصوفي، فالمؤكد عملياً على الواقع السياسي والفكري والإعلامي، أنه لا يثير أدنى قلاقل سياسية أو أمنية أو دينية أو ثقافية في الساحة الفرنسية، بل على العكس من ذلك، هناك إشادة بهذا الخطاب وانفتاح عليه، وبين الفينة والأخرى، تخصص بعض المجلات الفكرية والثقافية ملفات حوله، إلى درجة أن مجلة “عالم الأديان” الفرنسية، والتي تصدر مرة كل شهرين، غالباً ما تجعل الخطاب الصوفي الأكثر حضوراً والأكثر تمثيلاً للخطاب الإسلامي في مواد المجلة، بمعنى أننا لا يمكن أن نتوقع من هذه المجلة أن تنشر موقف أتباع الخطاب السلفي أو الإخواني أو الجهادي، والأمر نفسه مع باقي المجلات الثقافية، اليسارية واليمينية، والتي تنشر الخطاب الصوفي من باب التعريف بالوجه المشرق في الخطاب الديني عند المسلمين، ولا تعرج أو تروج للخطاب الإسلاموي، إلا في معرض الخوض في القلاقل السياسية والدينية والأمنية الصادرة عنه، وخاصة لدى المجالات اليمينية.

وليس صدفة أن أسماءً بحثية فرنسية وعربية وإسلامية، تتبنى الخطاب الصوفي في “فلسفة الدين” أو في الدعوة أو في السياسية أو في الفن أو في العمل الجمعوي، تحظى ببعض المتابعات الإعلامية في المجلات الفكرية والثقافية، ونذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر: بريزة الخياري، المستشارة البرلمانية، إريك جوفروا، المفكر الفرنسي الذي اعتنق الإسلام عبر بوابة التصوف، سليمان بشير ديان، الفيلسوف السنغالي الذي يبقى أكثر الفلاسفة المسلمين حضوراً في المجلات الفكرية الفرنسية، الشاب عبد المالك، فنان الراب الذي اعتنق الإسلام أيضاً عبر بوابة التصوف، وأسماء أخرى.

تأسيساً على ما سبق، نخلص إلى ما يلي:

1 ــ من الطبيعي أن يكون اهتمام وانشغال أغلب الباحثين الفرنسيين وغير الفرنسيين في معرض التعامل مع الخطاب الإسلامي في فرنسا، منصباً أكثر على قراءة ورصد الخطاب الجهادي وبدرجة اقل الخطاب الإخواني، لأن الأول يثير القلاقل الأمنية ويساهم في تهديد السلم المجتمعي، كما نعاين مع ما يُشبه الاستنفار الإعلامي والسياسي كلما تعلق الأمر بالإعلان عن حادث اعتداء صادر أو محسوب عليه، وليس صدفة أن حديث الرئيس الفرنسي المؤرخ في 2 أكتوبر 2020، حول “الانفصالية الإسلاموية”، يهم مُجمل التيارات الإسلامية سالفة الذكر؛ أما الثاني، فلأنه معني بالانخراط في المؤسسات الجمعوية ومؤسسات الدولة، وإن كان أقلية عددية لدى أوساط الأقلية المسلمة، ولكنه أكثر حضوراً في العمل الجمعوي، على غرار ما نعاين في دول المنطقة العربية. [بخصوص التفاعلات الإعلامية والبحثية الإسلامية مع خطاب 2 أكتوبر 2020، ولأنه يهم بالدرجة الأولى الظاهرة الإسلاموية بشكل عام، ولا يهم قط الخطاب الصوفي، فقد اتضح أن أغلب الأقلام الإعلامية والبحثية الإسلامية التي اعترضت على خطاب الرئيس الفرنسي، أي الأقلام التي تصنف في خانة الخطاب الإسلامي، كانت محسوبة على المرجعيات الإسلاموية، السلفية والإخوانية].

من الطبيعي أن يكون اهتمام وانشغال أغلب الباحثين الفرنسيين وغير الفرنسيين في معرض التعامل مع الخطاب الإسلامي في فرنسا، منصباً أكثر على قراءة ورصد الخطاب الجهادي وبدرجة اقل الخطاب الإخواني.

2 ــ من الطبيعي أيضاً أن نعاين هذا التواضع البحثي في مواكبة الخطاب الصوفي في فرنسا، ما دام أهل هذا الخطاب بعيدون كلياً عن إثارة المشاكل للمسلمين ولغير المسلمين، كما هو الحال أيضاً في أغلب دول المنطقة العربية والعالم الإسلامي، لولا أن حالة الاحتقان التي تمر منها الأقلية المسلمة، مع المعضلة الإسلاموية والمعضلة الإسلاموفوبيا، إضافة إلى القلاقل الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتواضع أو فشل السياسات العمومية الخاصة بضواحي المدن الفرنسية حيث تقيم نسبة كبيرة من الأقلية المسلمة، تقتضي أن تكون متابعة الخطاب الصوفي أكبر بكثير، لاعتبارات عدة، نذكر منها:

أ ــ المساهمة في تسليط الضوء على جوانب مشرقة في الخطاب الإسلامي، بعيدة كلياً عن الصور النمطية التي أصبحت تروج في الإعلام الفرنسي، العمومي والخاص، حول المسلمين هناك، وغالباً ما تكون مرتبطة بقضايا الإسلاموية، الإخوانية والسلفية والجهادية.

ب ــ المساهمة أيضاً في التصدي للمعضلة الإسلاموفوبية، لأنه لا توجد أي سوابق لفاعل فكري أو سياسي أو إعلامي، محسوب على الإسلاموفوبيا، أن صدرت عنه انتقادات موجهة إلى أهل التصوف في فرنسا، مع أن العمل الصوفي هناك ليس حالة خاصة أو شاذة أو نادرة، وإنما عمل قائم مع مجموعة من الطرق الصوفية، إضافة إلى حضور العديد من النخب الفاعلة في عدة قطاعات حيوية، معروف عنها النهل من التصوف، وبالرغم من هذا الحضور الكمي والنوعي، لا نجد أي اعتراض أو انتقادات موجهة إليه، ومن هنا أهمية الترويج له للاعتبارات أعلاه.

زر الذهاب إلى الأعلى