إسلاميات… دروس مسلسل “الاختيار” في تدبير الظاهرة الإسلامية (2/2)
بقلم ✍️ منتصر حمادة
لا زلنا مع بعض الدروس المرتبطة بمسلسل “الاختيار” الذي بثه بعض الفضائيات المصرية خلال شهر رمضان للعام الجاري (2012م ــ 1442هـ)، وتحديداً الجزء الثاني منه، بعد بث الجزء الأول من المسلسل خلال شهر رمضان للعام الماضي (2020م ــ 1441هـ).
ــ نأتي لدرس آخر كشف عنه المسلسل، ويهم ظاهرة سبق أن اشتغلنا عليها سابقاً، عنوانها “الإسلاميين سابقاً”، أي طبيعة الخطاب الإسلامي الحركي في مرحلة ما بعد الانفصال عن المشروع، أياً كان، من قبيل الانفصال عن المشروع السلفي الوهابي، أو الانفصال عن المشروع “السلفي الجهادي” أو الانفصال عن المشروع الإخواني.. إلخ.
كنا قد توقفنا حينها عند ملاحظتين على الأقل:
أ ــ تفيد الأولى أن المتديّن الإسلاموي المعني، لا يخرج بدون مضاعفات، أقلها المضاعفات النفسية، وكنا قد أحصينا أربعة مضاعفات بالتحديد: مضاعفات نفسية وروحية وأخلاقية وعقلية.
ب ــ وتفيد الثانية أن هناك عدة أنماط في هذه الظاهرة، بمعنى لا توجد صورة نمطية موحدة حول المتدين الذي خذ مسافة من المشروع، وقد أحصينا أربعة اتجاهات أيضاً، وهي حالة المتديّن الذي أخذ مسافة نظرية وتنظيمية، وحالة المتديّن الذي أخذ مسافة تنظيمية ولكنه لم يأخذ مسافة نظرية، وهذه هي الحالة السائدة أو المهيمنة في هذه الظاهرة، وهي التي تهمنا أكثر في معرض التفاعل مع مسلسل “الاختيار”، لأنها معضلة حقيقية، تؤكد تأثير بعض تلك المضاعفات أعلاه على المتديّن المعني، سواء كان واقعاً بها أم لا، وكلما كان واعياً بها، كلما ساعد نفسه على التخلص منها.
هناك ثالثاً حالة المتدين الذي أحذ مسافة إيديولوجية ولكنه لم يأخذ مسافة تنظيمية، ورابعاً وأخيراً، حالة المتدين الذي لم يأخذ مسافة إيديولوجية وتنظيمية من المشروع، ولكنه يُصرح بخلاف ذلك، وهذه حالات خاصة تندرج في باب ممارسة التقية، ونعاينها مثلاً مع بعض الباحثين في الساحة المغربية.
من باب تبسيط الصورة بخصوص العلاقة بين مضامين تفاعل التيار الثاني من الظاهرة مع مسلسل “الاختيار”، أي التيار الذي يدعي بأنه أخذ مسافة تنظيمية، ولكنه لم يأخذ مسافة إيديولوجية، ننطلق من أرضية نظرية افتراضية:
ــ نظريا ونظرياً فقط، من المفترض أن يكون تفاعل إخواني لا زال عضواً مع الجماعة، أثناء مشاهدة المسلسل، مختلفاً عن تفاعل متديّن كان إخوانياً، ولكن تأمل تفاعل بعض الفاعلين في العالم الرقمي، من قبيل السائد في مواقع التواصل الاجتماعي، أفضى إلى وجود تماهي كبير بين تفاعل أعضاء حاليين مع المشروع مع أعضاء سابقين، ولا زلنا نستحضر مقارنة عابرة بين تدوينة صادرة عن عضو ينتمي إلى جماعة إسلامية تدعو إلى “الخلافة على منهاج النبوة”، مع المسلسل، مع تدوينة عضو سابق، أو يزعم أنه لم يعد مع الجماعة، واتضح من خلال المقارنة العابرة، كما لو كنا إزاء العضو نفسه، مع أن الأمر يتعلق بفاعلين اثنين، وكان موضوع التدوينة يصب في نقد مشاركة فنانين في المسلسل، كما لو إننا إزاء كبيرة من الكبائر، فقط لأنهم يدافعون عن موقف الدولة من أحداث “الفوضى الخلاقة”، ومنها أحداث “اعتصام رابعة”. [لا يتحدث الإسلاميون قط عن “الفوضى الخلاقة”، لأن هذا الحديث لا يصب في مصلحة مشروعهم الديني ــ السياسي الإيديولوجي، والأمر نفسه مع أقلام “يسار الإخوان”]
ــ نظرياً أيضاً، من المفترض أن يكون تفاعل متديّن إخواني مع مسلسل “الاختيار”، مختلفاً عن تفاعل متديّن جهادي، ما دام الإخواني يروج أنه يشتغل تحت سقف الدولة الوطنية، بدليل مشاركته في الاستحقاقات التشريعية والجماعية، وحتى الرئاسية في بعض دول المنطقة. [عداء بعض الإسلاميين المغاربة للمؤسسة الملكية ومؤسسة إمارة المؤمنين يصب في هذا الاتجاه، سواء تعلق الأمر بالإسلاميين الذين يحلمون بإقامة تلك “الخلافة”، أو تعلق الأمر بذلك الداعية الإخواني الذي كان يوماً رئيس حركة “التوحيد والإصلاح”، ويشتغل اليوم في إطار مشروع إخواني إقليمي هناك في الخليج العربي، بعد أن عوض الداعية يوسف القرضاوي على رأي مؤسسة تقوم بادوار وظيفية في هذا السياق]
وبما أن مسلسل “الاختيار”، في جزئه الثاني، تطرق لاعتصام رابعة، فإنه يمكن أن نتوقع صدور انتقادات عن المتديّن الإخواني، ما دام الاعتصام كان يهم بالدرجة الأولى المشروع الإخواني، ولكن ليس إلى المرتبة الخاصة بالنقد الصادر عن الجهادي، الذي يحلم بما بـ”دولة الخلافة”، ويعلن عن ذلك صراحة، دون تقية، إضافة إلى أنه ينخرط في حروب ميدانية مسلحة ضد الدولة الوطنية.
نقول هذا بصرف النظر عن التقاطعات النظرية والميدانية بين المشروع الإخواني والمشروع الجهادي، كما عاينا ذلك في عدة محطات، منها ما جرى في مؤتمر القاهرة (13 يونيو 2013) الذي خصص لما سمي “نصرة الجهاد في سوريا”، والذي عرف مشاركة فاعلين من شتى المشاريع الإسلامية الحركية، الدعوية والسياسية و”الجهادية”، أو كما جرى مع تصريحات ومواقف الداعية يوسف القرضاوي أثناء تفاعله مع “الفوضى الخلاقة” في نسختها الليبية، حيث صدرت عنه بعض المواقف الدينية، تعاملت معها فضائيات الفتنة، وأقلام التقية، على أساس أنها “فتاوى”، وصبت في “شرعنة” القصف الأمريكي لليبيا، وإسقاط نظام معمر القذافي، في سياق تكريس ثنائية “ربيع حلال” و”ربيع حرام”، تلك التي تورطت فيها الحركات الإسلامية، الإخوانية والجهادية، وكشفت عن طبيعة وحقيقة مشروعها.
نظرياً إذن، وما دامت مضامين مسلسل “الاختيار” تهم بالدرجة الأولى تسليط الضوء على المشروع الإسلاموي “الجهادي”، كان من المفترض أن نعلين تبايناً في النقد الصادر عن الأقلام الإخوانية، مقارنة مع النقد الصادر عن الأقلام الجهادية، إلا أن واقع الحال، يُفيد تكريس التماهي بين الموقفين، بمقتضى القواسم النظرية المشتركة بين المشروعين، وليس صدفة، أن الداعية الإعلامي معتز مطر، خصّص حلقة حول من أجل نقد بعض الممثلين الذين شاركوا في المسلسل، وإن لم نشاهد الحلقة، وإنما نعاين ذلك من خلال عنوانها، وقد جرى ذلك، قبل الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات المصرية التركية، وبالتالي قبل إغلاق برنامجه، لأنه في نهاية المطاف، مجرد موظف، وكان مكلفاً بأداء مهام ما، على غرار العديد من الأسماء الإعلامية في المنطقة، أو أسماء البحث العلمي، مكلفة بمهام وظيفية، وهذا موضوع آخر. [في هذا السياق، طبيعي أن ينشر موقع “الجزيرة” الإخباري، بتاريخ 16 مارس 2021، متابعة إخبارية جاء فيها أن “هدف النظام المصري من إنتاج الجزء الثاني من مسلسل الاختيار تزييف التاريخ وشيطنة المعارضة وتغيير الصورة الذهنية عن الجيش والشرطة، وتعزيز سلطة النظام في ظل تراجع شعبيته” بل استشهد برأي للباحث سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية، الذي كنا نعتقد أنه بعيد عن تجميل مشاريع الإسلاموية، وجاء في قوله أن “النظام المصري متوقف عند عام 2013، لأنه فاقد للشرعية ويحاول شرعنة انقلابه، ولهذا يتوقف كثيراً عند هذه الفترة”، ضمن آراء أخرى، متوقعة من منصة إعلامية حليفة للمشروع الإخواني]
ــ بقيت إشارة أخرى، ضمن مجموعة من الإشارات والخلاصات المرتبطة بهذا المسلسل، لأنه يصعب حصرها في بضع مقالات، ولكن اقتصرنا هنا على بعضها، من باب المساهمة في تمرير تلك الرسائل، لأنه لا ننتظر من الأقلام المغربية الإسلاموية، الانخراط في هذه العملية، بل إن الأقلام المغربية التي تشتغل في المؤسسات الدينية، المعنية، نظرياً بالتفاعل النافع مع هذا المسلسل، وأخذ العبرة، والاستفادة أيضاً، ولم لا، الانخراط في ترويج بعض تلك الدروس، التزمت الصمت، كأنها غير معنية به، ومرة أخرى، نحن نُفرق هنا بين أقلام جاءت من المدرسة الإسلاموية، تشتغل اليوم في تلك المؤسسات الدينية، وأقلام أخرى، لا علاقة لها بتلك المدرسة، ولكنها تتصرف أو تعمل بقاعدة: “اذهب وربك فقاتلا، إننا ها هنا قاعدون”. الآية.
يُفيد هذا الدرس أن المسلسل يندرج بشكل أو بآخر، في الدفاع عن الدولة الوطنية الحديثة، سواء كانت المؤسسات التي تقف وراء إنتاج المؤسسة تستحضر هذا المعطى أم لا، ولكن من شاهد هذا العمل، قد يخلص إلى هذه الإشارة. وقد أصاب أصحاب السيناريو عندما مرروا رسالة مراراً في بعض حلقات المسلسل، مفادها، أن مصر في تلك الحقبة، ابتداءً من يناير 2011، أي في أولى سنوات “الفوضى الخلاقة”، كانت في حالة حرب حقيقية، وأن الأمر يتجاوز الحديث عن “ربيع عربي” و”اعتصام رابعة”، وأحداث عنف هنا وهناك، وهذه نقطة هامة جداً، تصب في تنوير الرأي العام، ليس في مصر وحسب، وإنما في المنقطة، خاصة مع وجود مشاريع لديها قابلية التورط في هذه الحرب، لأنها مجرد أدوات وظيفية، وقد أحلنا أعلاه على موقف الداعية يوسف القرضاوي من أحداث ليبيا، ومن الصعب إحصاء مواقف باقي الرموز الإخوانية و”الجهادية” في المنطقة”، رغم كونها أدوات وظيفية، ولكن هذه الوظائف سيئة الذكر، تصب في تغذية تلك “الفوضى الخلاقة”، وبالتالي تغذية تلك الحرب، ويمكن، في الحالة المغربية مثلاً، استحضار مواقف الداعية الإخواني أحمد الريسوني، وهو موظف الآن لدى مشروع ديني ـ سياسي إقليمي، أي يقوم بأدوار وظيفية ما ــ من السعودية، بين الأمس، قبل يناير 2011، واليوم، أي بعد يناير 2011، بين حقبة كان يشتغل فيها مع السعودية، في بعض المشاريع العلمية، وكان ينوه بالموقف السعودي، وبين مواقفه اليوم، التي تجعله يُشيطن النظام السعودي، كما جاء ذلك في عدة تصريحات وحوارات. (الأمر نفسه مع مضامين كتاب “ثغور المرابطة” لطه عبد الرحمن، لأن المؤلف هنا يُشيطن السعودية بعد أن طبق الصمت بالأمس، ولكن هذه حكاية أخرى بعدة قلاقل، ولكنها حكاية تفسر تبني الأقلام الإخوانية المغربية لمضامين الكتاب، من قبيل تنظيم اللقاء سالف الذكر أعلاه)
الحديث عن الحرب هنا، والربط مع موضوع الدفاع عن الدولة الوطنية الحديثة في المسلسل، مرده الحديث عن الحرب بين نموذج هذه الدولة الحديثة، والدولة الدينية المسماة “دولة الخلافة” عند أغلب الإسلاميين، وهو ما تمت الدعوة إليه في مؤتمر القاهرة، بحضور الإخوان و”الجهاديين” وغيرهم، من شتى دول المنطقة، بما في ذلك المغرب.