أخبار الدارسلايدر

عندما نبحث عن التنمية وتبحث التلفزة عن التعمية

الدار/ افتتاحية

من غير المفهوم بتاتا هذا التعاطي السطحي للقنوات التلفزيونية العمومية مع تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي. وثيقة تطلب إعدادها شهورا طويلة، وجهودا كبيرة، وتعبئة تنظيمية وبشرية هائلة، وتشكل منعطفا حقيقيا في تاريخ الاختيارات الاستراتيجية للمغرب، ها هي ذي تمر في قنوات القطب العمومي مرور الكرام. لم تكلف أي قناة من القنوات التلفزيونية نفسها عناء تخصيص برنامج خاص لمناقشة هذا التقرير وفتح نقاش عمومي بخصوص مضامينه وطرق تنزيله والموارد التي يحتاجها لتحقيق أهدافه. ماذا يعرف الجمهور المغربي عن تقرير التنمية اليوم؟ لا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي تجتاح الرأي العام وهو في حاجة ماسة إلى الإجابة عنها واستيضاحها.

هذه المهمة تقع على عاتق وسائل الإعلام والصحافة، لكنها تقع بالأساس على عاتق وسائل الإعلام العمومية، التي يفترض أن خطها التحريري والتزامها الأخلاقي يفرض عليها أولا وقبل كل شيء أن تتبنى اختيارات الدولة وتدافع عنها وتدشن الحملات التواصلية اللازمة لتعزيزها. نحن نتحدث عن وثيقة تاريخية لا تقل في أهميتها عن تقرير الخمسينية أو تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، اللذان اعتبرا تقريرين مؤسسين لمرحلة جديدة. كيف يقعل إذن أن يتعامل التلفزيون العمومي، الممول من الميزانية العامة للبلاد، أن يقدم نشرات باهتة وسطحية، عن مضمون التقرير، دون تعمق أن مناقشة أو تحليل؟  وحتى عندما قررت القناة الأولى مثلا التطرق لهذا التقرير في أحد برامجها الحوارية، وهو برنامج “قضايا وآراء” يتم ذلك باختيار ساعة بث قاتلة، لا يمكن أن تثير أي اهتمام لدى الجمهور أو المشاهد.

ما معنى استدعاء عضوين في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي وتسجيل برنامج نقاشي معهما ثم بثه بعد الحادية عشر والنصف ليلا عقب مسلسل تلفزيوني سبق بثه في أوقات أخرى، وربما مل المشاهدون أصلا من متابعته. لا أحد من المشاهدين المغاربة يمكنه أن يضحي بنومه وراحته في تلك الساعة المتأخرة ويسهر من أجل التعرف على ما تضمنه النموذج التنموي الجديد، بينما كان من الممكن اختيار توقيت أبكر لعرض الحلقة الهامة جدا من هذا البرنامج. ما وقع في اختيار توقيت برنامج “قضايا وآراء” مجرد مثال عن توجه لا يمكن بتاتا اعتباره بريئا بالمرة. كل من يشاهد المقاربة الإعلامية والتواصلية يدرك أن ما تقدمه المواقع الإلكترونية والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي حول تقرير النموذج التنموي يشفي ويكفي ولا مجال لمقارنته بتاتا بما تقدمه القنوات التلفزيونية في القطب العمومي رغم الإمكانيات الهائلة التي تتوفر عليها.

إن المغاربة متعطشون للتنمية، وهذا التعطش هو الذي دفع الدولة إلى توجيه تعليمات رسمية من أجل تدشين حملة تواصلية حول مضامين التقرير، وهذه الحملة يفترض أن تقوم بها أولا وأخيرا أجنحة الدولة الإعلامية المتمثلة في قنوات القطب العمومي. لكن شتان بين تسليط الضوء على التنمية وبين اختيار التعمية كما هو ملحوظ من متابعة المقاربة الإعلامية الصفراء التي شابت أداء القنوات التلفزيونية. هناك عشرات من الأطر الصحفية داخل القطب العمومي التي يمكنها إن فتح أمامها المجال أن تقدم لقاءات وجلسات حوارية جادة في هذا المجال، لكن نجاح هذا النوع من العمل المهني يتوقف أيضا على أساليب البرمجة والماركوتينغ التي يمكن أن تمهد لتحقيق الأهداف التواصلية الأولية.

لا يجب أن يصدق ذلك التأويل الذي يروج حول وجود توجه ينزع نحو التغطية على الجهد الذي بذلته لجنة النموذج التنموي وتبخيسه من خلال تجاهله وإبعاده عن نقاط وبقع الضوء الإعلامية. هذا التأويل لا يجب أن يكون حقيقيا، بل نتمنى أن يكون مجرد مبالغات، لكن طمسه ودحضه لا يتم هكذا بالأماني والرجاء، بل على الإعلام العمومي التلفزيوني أن يثبته مستقبلا بإنتاجات مهنية مواكبة للتحولات التي تعيشها البلاد وعلى رأسها هذه الوثيقة التي ترسم خارطة طريق الخمسة عشر عاما المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى