المدارس الداخلية للسكان الأصليين: الجانب المظلم في تاريخ كندا
أثار اكتشاف رفات 215 طفلا من السكان الأصليين، في موقع مدرسة داخلية قديمة للسكان الأصليين في كولومبيا البريطانية (غرب)، موجة واسعة من الغضب والاستياء في كندا.
وقد خلف هذا الاكتشاف المروع صدمة في صفوف الطبقة السياسية والشعوب الأصلية في البلاد، وكذا داخل مجتمع بأكمله صار يرى في الحدث انعكاسا لصفحة مظلمة من تاريخ هذا البلد .
وفي هذا الصدد ، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن “الإرث المأساوي للمدارس الداخلية لا يزال حاضرا حتى اليوم، وستواصل حكومتنا دعم الناجين وعائلاتهم ومجتمعاتهم، من خلال إجراءات ملموسة”.
وبهذا يكون ترودو قد اعترف ب”خطأ كندا” ووعد “بإجراءات ملموسة”. وأعرب عن أسفه لكون “بعض الأطفال الذين تم العثور عليهم اليوم في كاملوبس، وأولئك الذين لم يكتشفوا بعد في أماكن أخرى من البلاد، كان بإمكانهم أن يصبحوا أجدادا “، مضيفا “هذا لم يحصل؛ وهذا خطأ كندا.”
وخلال نقاش حول هذا الاكتشاف المحزن، الذي عقد في مجلس العموم، أكد ترودو أن كندا ” لم تكن محترمة لالتزاماتها تجاه الشعوب الأصلية”، قائلا: “لا يمكننا أن نتغاضى عن ذلك”.
وتوالت الدعوات على إثر ذلك من كل حدب وصوب لحث الحكومة الفيدرالية على التحرك من أجل القيام بعمليات بحث في أسرع وقت ممكن في مواقع المدارس الداخلية السابقة.
وطالب زعماء السكان الأصليين بالبحث في مواقع المدارس الداخلية السابقة لتحديد ما إذا كان هناك تحت الأرض بقايا رفات لأطفال آخرين احتجزوا قسرا، وكذا لتحديد هوية الضحايا لتمكين مجتمعات السكان الأصليين من تأبينهم.
وكان نظام المدارس الداخلية قد تأسس في ثمانينيات القرن التاسع عشر (1880) من قبل الكنيسة الكاثوليكية والحكومة الفيدرالية، اللتين قامتا بإدارته لأكثر من قرن.
وتعرض الأطفال لاعتداء جسدي وجنسي بشكل متكرر، وتوفي الآلاف منهم في هذه الأماكن. وتم إغلاق آخر مؤسسة من هذا النوع في بونيشي، بساسكاتشوان في سنة 1996.
ويوم الأربعاء الماضي، دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة السلطات الكندية إلى فتح تحقيق بعد العثور على رفات 215 طفلا في موقع مدرسة كاملوبس الداخلية.
وقالت متحدثة باسم الهيئة الأممية إن كندا يجب أن تجري “تحقيقات فورية وشاملة” حول الوفيات و”البحث عن جميع القبور المجهولة وتحديد هويات أصحابها”، مضيفة أن هذا الاكتشاف “صادم ويعيد فتح جراح مؤلمة”.
وفي هذا الصدد، حثت السلطة التنفيذية الكندية على التحقيق في وفاة أطفال السكان الأصليين في المدارس الداخلية وتكثيف الجهود لتحديد هويات من اعتبروا في عداد المفقودين.
وأعرب رئيس جمعية الأمم الأولى، بيري بيليغارد، في تصريح للصحافة، عن ارتياحه لدخول مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على الخط بشأن هذا الملف المحزن.
وبرأيه ، فإن الاكتشاف غير المسبوق لبقايا 215 طفلا بالمقبرة الجماعية في موقع المدرسة الداخلية السابقة “يظهر لباقي العالم صورة أكثر دقة عن كندا، تلك الدولة التي ارتكبت إبادة جماعية في حق الشعوب الأصلية”.
وحسب ترودو، فإن هذا النوع من البحث في مواقع المدارس القديمة هو “جزء مهم من الكشف عن الحقيقة”، مع التأكيد على أن السلطة التنفيذية “ستقوم بالمزيد”.
وقد أعلنت الحكومة الفيدرالية أنها وضعت رهن إشارة الأمم الأولى، وهو مصطلح يطلق على الشعوب الأصلية، غلافا بقيمة 27 مليون دولار للقيام بأعمال البحث في مواقع المدارس الداخلية السابقة. كما تم الكشف عن “خطة عمل” أول أمس الخميس ، وذلك في إطار التجاوب مع تقرير التحقيق الوطني حول نساء وفتيات السكان الأصليين المسجلات في عداد القتلى والمفقودين، والذي صدر قبل عامين.
وتلتزم السلطة التنفيذية بتوفير أو تحسين التمويل لعدد من البرامج والمبادرات في أربعة مجالات موضوعاتية: الحق في الثقافة ، وفي الصحة والرفاه، والأمن، والعدالة.
ومنذ يوم الأحد، تم تنكيس الأعلام على المباني الفيدرالية والإقليمية تكريما لهؤلاء الضحايا الشباب، الذين كان عمر بعضهم 3 سنوات فقط.
كما تمت تهيئة أماكن وضعت فيها أحذية أطفال ولعب وباقات زهور، فضلا عن إقامة احتفالات لإحياء ذكرى الأطفال المتوفين، في عدة مناطق من البلاد. هذه الفضاءات تتداخل فيها مشاعر الحزن والغضب والمرارة مع الأهازيج وأصوات الطبول المحلية.
“بوصفي أبا، لا أستطيع أن أتخيل كيف سأشعر لو تم أخذ أطفالي بعيدا عني. وكرئيس للوزراء، أشعر بالذهول من السياسات المخزية التي سرقت أطفال السكان الأصليين من مجتمعاتهم”، يقول ترودو، الذي تعكس كلماته مشاعر الحزن والألم التي تخيم على السكان الأصليين .
المصدر: الدار- وم ع