أخبار الدارسلايدر

هل أفَلتْ شمس الرهان على العلاقات مع الاتحاد الأوربي؟

الدار/ افتتاحية

اصطفاف البرلمان الأوربي بشكل صريح إلى جانب إسبانيا في مواجهة المغرب، بعد أزمة الهجرة إلى سبتة المحتلة، وإصدار قرار خاص يدين المغرب، ويتهمه بممارسة الضغوط والابتزاز، يذكرنا جميعا بالمقولة الشهيرة لأحد الدبلوماسيين البريطانيين “ليست هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، هناك مصالح دائمة”. لقد كان المغرب دائما يستند إلى الاتحاد الأوربي باعتباره شريكا لا نظير له بين كل حلفائنا في العالم. صحيح أننا حلفاء استراتيجيون بالنسبة لواشنطن، كما تجمعنا صداقة جيدة بالصين وروسيا لكن علاقاتنا بالاتحاد الأوربي كانت دائما هي الرهان الأساسي بالنسبة لاقتصادنا ودبلوماسيتنا وعلاقاتنا الإنسانية والاجتماعية.

السبب الأساسي في هذا الرهان يعود طبعا وقبل كل شيء إلى الاعتبار الجغرافي الذي لا دخل لنا به. لقد وضعتنا الأقدار في الضفة الجنوبية الأقرب إلى غرب أوربا، ولا تبعد أراضينا إلا بضعة كيلومترات عنها. إنه موقع استراتيجي يسيل له لعاب الكثير من الشعوب والبلدان، لكنه بالمقابل يضعنا نحن هنا على المحك، وتحت الأطماع والأنظار الأوربية التي لم تكن دائما ودية. لا داعي للتذكير هنا بالتاريخ الاستعماري والصليبي الذي كنا دائما في مواجهته مع البرتغال والاسبان والفرنسيين وغيرهم من القوى الأوربية. والظاهر أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها العلاقات المغربية الإسبانية، تثبت بالملموس أن جزء من هذا التاريخ لا يزال متواصلا وممتدا على الأقل في أذهان الطبقة السياسية في مدريد التي لا تزال تنظر إلى بلادنا بمنظور العجرفة الكولونيالية.

يتمتع المغرب بوضع خاص لدى الاتحاد الأوربي أقل من العضوية وأعلى من الشراكة العادية. وهذه المكانة ليست لسواد عيون المغرب والمغاربة، بل لأن هذه الأرض تمثل ظهرا آمنا للاتحاد الأوربي. المغرب شريك وفي وملتزم بمحاربة الهجرة السرية وظواهر الإرهاب والتهريب وغيرها من الآفات التي تقلق الحدود الأوربية. كما أنه مزوِّد مميز بالكثير من المواد الأولية والزراعية التي تصل عن قرب وبسرعة إلى التراب الأوربي. ويعتبر أيضا وللأسف موردا للكفاءات والأدمغة التي تستغلها دول الاتحاد الأوربي ومن بينها ألمانيا على سبيل المثال بشكل سهل ودون أن تستثمر فيها فلسا واحدا. كما أن سواحلنا وأراضينا تعتبر منجما غنيا بالفرص والثروات للمقاولات الأوربية من كل الجنسيات.

في لحظة واحدة تثبت أوربا عبر برلمانها المخترق باليمين المتطرف واليسار الأكثر تطرفا، وفي غمرة الضياع الأوربي في مواجهة القوى الدولية كروسيا والصين، (يثبت) الاتحاد الهرِم أنه لن يتوقف أبدا عن منطق المصالح الدائمة في معاملة الجيران. وهذه الإدانة المردودة على برلمان المتطرفين اليمينيين لم تكن لتصدر في وقت سابق عندما كان المغرب ولا يزال عرضة أيضا لتوافد المهاجرين السريين العابرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. لكن لعل هذا الاختبار الذي مر منه الأوربيون في مواجهة صغيرة مع المغرب يؤكد بالملموس أن الاختيار الدبلوماسي المراهن على تنويع الحلفاء والانفتاح على أسواق جديدة والانضمام إلى محاور دولية أبعد من ضفاف البحر الأبيض المتوسط، يعتبر اليوم ضرورة لا محيد عنها.

فحتى من ناحية الاستشراف السياسي لمستقبل هذا الاتحاد، من الخطأ بما كان التعويل على تكتل مهدد في كل لحظة بالتفكك والانشطار، بسبب التجاذبات السياسية لمكوناته. لقد رأينا كيف خرج البريطانيون من الاتحاد ونفذوا بجلودهم وعيا منهم بأن هذه التجربة لم يعد لها ما يسندها، غير ألمانيا التي تعتبر أكبر المستفيدين من استمرار الاتحاد. ولن ينسى المغرب الدور الذي لعبه البرلمانيون الألمان في البرلمان الأوربي في بلورة قرار الإدانة والترويج له والتصويت عليه. يجب أن يخرج خطابنا الدبلوماسي وسياستنا الخارجية من هذا الارتهان للجار المريض الذي يصرّف مظاهر عجزه بمواجهات صغيرة من هذا القبيل مع جيرانه. مرة يفتح الجبهة التركية ومرة الجبهة المغربية، وأحيانا الجبهة الليبية.

لقد ولى زمن الشريك المميز الذي تحظى به دول الاتحاد الأوربي في المغرب. هناك قوى دولية تستحق ولها القدرة على دخول السوق الوطنية، وتوفير الاستثمارات واستغلال الفرص أكثر من فرنسا وإسبانيا. وهذه رسالة يجب أن تصل الأوربيين في أقرب وقت: ابحثوا عن مصالحكم بعيدا عن البلاد التي تدينونها بقراراتكم ونفاقكم السياسي الذي تكشفه المحن الصغيرة قبل الاختبارات الكبيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى