سلايدرفن وثقافة

دروس “الاختيار” في احتفال مريم الزعيمي بفاطمة المرنيسي

منتصر حمادة

تروم هذه المقالة الجواب على السؤال التالي: ما هي علاقة مسلسل “الاختيار” المصري (في جزئيه الأول والثاني)، بانخراط المخرج المغربي عبد الرحمان التازي، في تصوير فيلم مخصص للراحلة فاطمة المرنيسي، إحدى رموز العمل الفكري المغربي؟
شرعت مؤخراً الفنانة المغربية مريم الزعيمي، باعتبارها فنانة تحظى بشعبية لا بأس بها في الساحة المغربية، في تسجيل مشاهد مشاركتها التي تجمع بين الاعتراف والتقدير، يف حق فاطمة المرنيسي، عالمة الاجتماع المغربية [1940-2015]، ضمن فيلم يُخرجه أحد رموز الإخراج السينمائي في المغرب، عبد الرحمان التازي.
صحيح أن أسباب هذا العمل السينمائي، بتعبير مخرجه، لا تخرج عن أسباب ذاتية، لأنه يُعتبر من أقرب المقربين من الراحلة، في العائلة والمدينة والمسار، وبالتالي، ثمة هواجس شخصية حاضرة بشكل أو بآخر في أسباب هذه المبادرة النبيلة، ولكن هذا جزء من المشهد، لأن الأجزاء الأخرى منه، هي التي تهمنا أكثر، وعنوانها، التعريف بهذه الأعمال العلمية، الانتصار لمكانة المرأة في البحث العلمي، التصدي للمعضلة الذكورية في شقها السلبي، مقاومة تواضع ثقافة الاعتراف لدى النخبة البحثية، ضمن أجزاء أخرى.
في الشق الخاص بثقافة الاعتراف مثلاً، لن نتحدث عن عداء الأصوات الإسلامي الحركية للراحلة، لاعتبار بَدَهي، لا يخرج عن مقتضى تزييف الوعي الذي تكرسه المرجعية الإيديولوجية لهذه الأسماء (إخوان، سلفية وهابية.. إلخ)، ويكفي تأمل مضامين الأعمال البحثية الصادرة عن المراكز الإخوانية مثلاً، حيث لا يخرج سؤال المرجعية عن الولاء للمشروع الإخواني، والأمر نفسه مع مراكز إسلامية أخرى، تدعي أخذ مسافة من المرجعية الإخوانية، ولكنها تعج بالمرجعية ذاتها، بما فيها المراكز البحثية العربية (أغلب الأسماء المغربية المشاركة في إصدارات مركز “نهوض” الكويتي ومركز “أواصر” القطري، أسماء إخوانية، أو كانت كذلك، أو تدور في فلك هذه المرجعية).
ولن نتوقف أيضاً عن موقف أغلب الفاعلين في المؤسسات الدينية، من مجالس علمية محلية، ورابطة محمدية للعلماء، ومؤسسات أخرى، ويكفي في هذا السياق، التذكير، بأن الحالة الوحيدة التي كانت تشتغل في إحدى المراكز التابعة لمؤسسة دينية، ولكنها كانت متأثرة بشكل أو بآخر، أو مدافعة بشكل أو بآخر، عن أعمال الراحلة فاطمة المرنيسي، أي أسماء المرابط، وصل بها الأمر، غلى تقديمي الاستقالة من رئاسة مركز لدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام.
بل يجب تأمل موقف الأسماء البحثية المحسوبة على “المرجعية الحداثية”، والعودة إلى ماضي الحصار الذي مارسته على أعمال فاطمة المرنيسي، وحية ترزق، فالأحرى تكريس الحصار بعد رحيلها، رحمها الله، لاعتبارات عدة، منها معضلة العقلية الذكورية سالفة الذكر، في شقها بالسلبي بالتحديد، ثقافة الحقد أو الحسد، واعتبارات أخرى.
وإذا صدرت هذه الممارسات غير السوية، عن أقلام تنهل وتدافع عن “المرجعية الحداثية”، ضد المرنيسي، فمن باب أولى أن تصدر عن باقي المرجعيات الإيديولوجية، ومنها المرجعيات الإسلامية الحركية، الحالمة بما يُسمى “أسلمة المعرفة” في شقها الإيديولوجي بالتحديد.
معلوم أيضاً، أنه من أدوار الأقلام البحثية، المساهمة في التعريف بهذه الأسماء، أو التوسط بين مقام النخبة الفكرية ومقام العامة [أو “العوام باصطلاح أبي حامد الغزالي، كما جاء في أحد عناوين أعماله، تعرض لسوء الفهم والتأويل]، والأمر نفسه مع دور الأقلام الإعلامية التي تشتغل في الحقل الفكري والثقافي، ولكن، إذا كانت الغلبة عند هؤلاء، للقلاقل سالفة الذكر أعلاه (العقلية الذكورية، غياب أو تواضع مؤشر ثقافة الاعتراف، الانتصار للهم الإيديولوجي، على حساب الهم العلمي)، فطبيعي ألا ننتظر شيئاً من هؤلاء، في معرض التعريف بأعمال فاطمة المرنيسي، للرأي العام المحلي والإقليمي، مع التذكير هنا، حظيت بتكريم أجنبي ودولي، قلما حظي به مفكر مغربي (باستثناء بعض المتابعات البحثية الأمريكية والفرنسية التي حظيت بها أعمال عبد الله العروي، باعتباره حالة خاصة، وهذا موضوع آخر).
في هذا السياق، نستحضر بعض دروس مسلسل “الاختيار”، وسبقت الإشارة إلى أنه يمكن استخلاص مجموعة من الدروس، بعد مشاهدة حلقات هذا المسلسل، ومن بينها، أنه في مواجهة تواضع المراكز البحثية المعنية بالاشتغال على نقد ونقض الإسلاموية في المنطقة، في شقيها الإخواني والسلفي الجهادي، بما في ذلك تواضع المراكز البحثية التابعة للمؤسسات الدينية، كما هو الحال في الساحة المغربية، حيث تبدو بعض هذه المراكز كأنها غير معنية بنقد خطاب هؤلاء، وفي مواجهة تواضع أداء العديد من المؤسسات الدينية أيضاً في معركة الاشتباك الديني والعلمي مع الأدبيات الإسلاموية، تأتي مثل هذه الأعمال الفنية، لتغطي بشكل كبير على هذا التقاعس البنيوي، السائد هناك في مصر أو في المغرب أو في أغلب دول المنطقة.
نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أن مثل هذه الأعمال الفنية تحظى بمتابعات كبيرة، ما دامت تبث خلال شهر رمضان المعظم، حيث ترتفع فيه نسبة المشاهدات والمتابعات الخاصة ببعض الأعمال الفنية.
ينطبق الأمر نفسه، أو من المفترض أن يتكرر، على هذا العمل السينمائي الاحتفالي بالراحلة فاطمة المرنيسي، مع مبادرة عبد الرحمان التازي، وحضور ممثلة قديرة ومحترفة من طينة مريم الزعيمي، إضافة إلى معطى آخر، يهم شعبيتها لدى الرأي العام، لأنها ليست من ممثلات الإثارة أو القلاقل الشخصية أو الصراعات أو شيء من هذا القبيل، بصرف النظر عن تواضع هذه الظواهر في الساحة المغربية، ولكن حالة الزعيمي، مهمة في سياق تجسيد دور فاطمة المرنيسي، وليس صدفة أن مخرج الفيلم، كما أشار في إحدى تصريحاته لوسائل الإعلام، أنه اضطر إلى التدقيق في العديد من الأسماء النسائية التي كانت مرشحة لتجسيد هذا الدور، قبل أن يُقرر الحسم في إسم المرشحة النهائية، وكانت مريم الزعيمي.
هذه تفاصيل تقنية وفنية خاصة بالعمل، ولكن التفاصيل الإنسانية والاحتفالية الخاصة بتكريم أمثال فاطمة المرنيسي، يه بيت القصيد، وعلى ضوءها، لا يسعنا إلا التنويه سلفاً بهذه المبادرة، على أمل أن نعاين مبادرات أخرى من الطينة نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى