أخبار الدارسلايدر

الاحتلال الإسباني.. هل حان الوقت لتغيير مفردات الخطاب الإعلامي؟

الدار/ افتتاحية

يُجمع المغاربة على أن سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما مناطق مغربية محتلة، ويساير الإعلام الوطني هذه الحقيقة ويحرص على ذكر سبتة ومليلية مسندتان بنعت “المحتلة”. إلى هذه الحدود تبدو المقاربة الإعلامية حريصة على الإجماع الوطني، لكن بالمقابل هناك تساهل ملحوظ في الحديث عن السلطات الاسبانية في المدينتين بوصفها سلطات احتلال وقوة استعمارية.

عندما تدخلت قوات الجيش في ماي الماضي بسبتة المحتلة لطرد ومنع المهاجرين من التسلل إلى المدينة، لم يستعمل الإعلام الوطني مفردة جيش الاحتلال أو شرطة الاحتلال أو قوات الاحتلال وهي كذلك بوصفها قوات على أراضي مغربية.
من هذا المنطلق فإن دعوة الإعلام والصحافة الوطنية إلى تحيين معجمها في مقاربة قضية المدينتين السليبتين والجزر التابعة لهما تعتبر مسألة ملحة وعاجلة. أولا لأنه لا بد للإعلام أن يساير النهج الدبلوماسي الجديد الذي ينهجه المغرب في مواجهة العجرفة الإسبانية التي لا تكتفي باستغلال الثغرين المغربيين في شمالنا العزيز، بل تسعى إلى تغذية أطروحة الانفصال واستدامتها في الصحراء المغربية. هذا النهج الذي يدافع عن الحقوق الوطنية ويتحدى إسبانيا الإمبريالية يجب أن يجد صداه في الخطاب الإعلامي الرسمي والمستقل أيضا. بل إن مسؤولية الإعلام المستقل في هذه المسألة أكبر من تلك التي يتحملها الإعلام العمومي بالنظر إلى التزاماته وحاجته الدائمة إلى التوجيه الرسمي.
ثانيا هناك سبب أدعى لبناء تصور جديد للخطاب الإعلامي في قضية سبتة ومليلية المحتلة وهوما تمثله القوى الناعمة من تأثير شديد وفعال في مثل هذه القضايا. ولنا في القضية الفلسطينية أكبر شاهد، فبعد أن توقف صوت الرصاص لفترة طويلة، استطاعت هذه القضية أن تستمر وتعيش بفضل تأثير القوى المدنية والإعلامية خصوصا بالاستعانة بشبكات التواصل الاجتماعي. الموقف الإسباني في سبتة ومليلية المحتلتين ضعيف ومهزوز قانونيا وأخلاقيا وإنسانيا، وهذا ما يفسر حرصَ البرلمانيين الإسبان في البرلمان الأوربي على تنصيص القرار الذي استصدروه بشق الأنفس على أن المدينتين السليبتين تمثلان حدود الاتحاد الأوربي. إسبانيا تستجدي من مؤسسات الاتحاد الأوربي اعترافا بالاحتلال وشرعنة له.
هذه الشرعنة هي التي يجب أن يطعن فيها الخطاب الإعلامي الوطني اليوم، ويكرس بذلك لغة جديدة مقاوِمة لتطبيع الوضع مع الاحتلال. إسبانيا بلد محتل وجيشها وشرطتها وحرسها تمثل قوى الاحتلال، والمشاريع التي تواصل بناءها تمثل أعمال استيطان ينبغي إدانتها ورفضها. والأحزاب الإسبانية التي تناصر هذا الاستيطان هي أحزاب استعمارية وكولونيالية لا تريد أن تتخلص من إرثها المُشين في شمال الريف، حيث ارتكبت المجازر باستعمال الغازات السامة. ومهما ادعت أحزاب اليسار الإسباني أنها أحزاب تقدمية واشتراكية وإنسانية فإن ذلك لن يبرئها من صفة المستعمر فعلاً وقولاً.
هذا خطابنا الإعلامي الذي ينبغي أن يحكمنا مستقبلا، صحيح أننا سنشجع على استمرار العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدين، وسندعو إلى الحرص على احترام المصالح المشتركة، لكن ذلك لا يجب أن يعفينا من تسمية الاستعمار استعمارا والمستعمر مستعمرا. ويجب أن لا نستهين بما يمثله هذا الخطاب الإعلامي من تأثير على المدى البعيد على الأقل بالنسبة للأجيال القادمة، فهذا احتلال عمره ستة قرون ومعركة الاسترداد يمكن أن تدوم أيضا لعقود أو قرون، وإذا حقق هذا الخطاب الإعلامي المناهض للاحتلال الإسباني هدف إحياء القضية واستمرارية طرحها فهذا في حد ذاته يعد إنجازاً عظيماً يستحق جهد التجديد والالتزام.
من هنا فإن الحاجة إلى ميثاق إعلامي وطني يستوعب قضية سبتة ومليلية المحتلتين ويلقي بهمّهما على عاتق المؤسسات الإعلامية أصبح ضرورة ملحة، كما أن توعية الإعلاميين بهذا الالتزام ينبغي أن يكون مشروعا مواكبا له، لأن نجاح القوى الناعمة في مثل هذه القضايا يبدأ أولا وقبل كل شيء من السلطة الرابعة.

زر الذهاب إلى الأعلى