أخبار الدارسلايدر

لماذا يجب أن يتحد المغاربة في المواجهة الدبلوماسية مع إسبانيا؟

الدار/ افتتاحية
بعد الإهانة التي تلقاها رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز وظفره بالتحية العابرة في ردهات مقر اجتماع دول حلف الناتو، يبدو أن سانشيز سيقضي أوقاتا عصيبة أمام المعارضة وأمام الصحافة والإعلام الاسباني. لقد رأى عموم الإسبان في المشهد إهانة لإسبانيا ومكانتها أمام العالم، وهذا ما يدفع أحزاب المعارضة اليوم للبحث عن سبل مسائلة سانشيز واستفساره عن حقيقة ما جرى. إنها ببساطة المكانة الحقيقية التي تحتلها مدريد اليوم بين القوى الدولية، بينما لا تتردد في الاستقواء علينا تجد نفسها منبطحة سعيا وراء نظرة أو التفاتة من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعكس هذا المشهد الذي تابعه الإسبان والمغاربة على حد سواء العزلة التي تعانيها مدريد في طريق الدفاع عن نظرتها الاستعمارية وإرثها الكولونيالي. لقد كان الرئيس الأمريكي جو بايدن على علم برغبة سانشيز في لقائه وطرح القضية التي تؤرقه وهي مسألة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ومحاولة إقناع واشنطن بالتراجع عن هذا القرار، لكن رفض الأمريكيين لعقد اللقاء واختزاله في تحية المصادفة مؤشر واضح على أن الإدارة الأمريكية حسمت قرارها بهذا الخصوص، ولا تريد أن تعيد فتح ملف اتخذ فيه رئيس سابق قرارا نهائيا. لقد سبق لموقع اكسيوس الأمريكي الشهير أن أكد أن بايدن لن يتراجع عن قرار ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء، كما أن تجاهل إدارة بايدن لنداءات ودعوات مدريد كان رسالة واضحة وبليغة لا تحتاج إلى المزيد من التوضيح.
غير أن بيدرو سانشيز وحكومته الرجعية لا تزال تؤمن بأن لإسبانيا دور إقليمي محفوظ يبرر هيمنتها ودفاعها عن الإرث الاستعماري وتدخلها في شؤون الوحدة الترابية لبلد جار كالمغرب. لكن المغرب وحده يدرك أن اسبانيا اليوم ليست هي اسبانيا الأمس، صحيح أنها لا تزال تفرض سيطرتها على سبتة ومليلية السليبتين، لكنها دخلت مرحلة من التضعضع والتراجع المقترن أصلا بتراجع هيمنة الاتحاد الأوربي وضعفه وفقدانه لعوامل وأسباب الضغط والمواجهة مع القوى الإقليمية المحيطة به. بعبارة أوضح لقد اكتشف المغرب أن اسبانيا ليست سوى فزاعة خسرت الكثير من ملامح التغول والسيطرة، ويمكن إخضاعها في معركة كسر العظام المتواصلة إلى اليوم، بعد أن أضحت أوهن من بيت العنبكوت.
عندما سيجد الاسبان أن واشنطن لا تنصت لطلباتهم وأن القوى الدولية كالصين وروسيا تدير ظهرها للمنطقة ولا تضعها في قائمة أولوياتها، وعندما سيشاهدون عن كثب كيف يحصن المغرب مكتسباته الدبلوماسية عربيا وإفريقيا فإنهم سيدركون أنهم أقل وأصغر بكثير من الدور الذي يريدون تقمصه. لهذا فإن المعركة التي تديرها السلطات المغربية بهدوء وذكاء يمكنها أن تؤتي ثمارها غير المسبوقة ولو على المدى البعيد لأننا أمام فرصة تاريخية قد لا تعوض لحسم موضوع التأثير الاسباني في ملف الصحراء المغربية باعتبار مدريد السلطة المستعمرة التي تتحمل مسؤولية تاريخية عن خلق وإنشاء النزاع المفتعل وتغذيته للاستمرار في استغلاله.
لهذه الاعتبارات ينبغي الوثوق في الاستراتيجية الدبلوماسية الحالية التي ينهجها المغرب والوقوف وراءها بشكل وموحد، وأن تتحدث مختلف القوى الوطنية والفرقاء لغة واحدة مثلما يحدث في الضفة الشمالية حيث تحول الإعلام الاسباني إلى بوق يردد الروايات الرسمية ويدافع عن مواقف الحكومة في مواجهة المغرب بينما يجلدها في ملفات داخلية أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى