تشكل حدائق القرب حلولا عملية تضمن القطيعة مع صخب التمدن وتحقق الوصل مع الطبيعة، في ظل الزحف الاسمنتي المخيف.
و ظلت مطالب الفاعلين في المجال البيئي على الدوام تشدد على ضرورة توسيع نطاق المساحة المخصصة للحدائق والمتنفسات الإيكولوجية داخل المدن، باعتبارها صمام الأمان لحماية المواطنين من مخاطر التلوث وانعكاساته السلبية على الإنسان والطبيعة.
وتمكن النظم البيئية الصحية من تحسين عيش المواطنين ومواجهة التغيرات المناخية الحالية، كما تشجع المبادرات المدنية على تبني إجراءات عاجلة لحماية النظام البيئي المتضرر، واتخاذ خطوات عملية وإجراءات بسيطة ترفع من درجة وعي الناس بأهمية الحفاظ على المجال الأخضر وتخضير المدن وإعادة الإعتبار للحدائق داخل الحواضر.
ويشكل اليوم العالمي للبيئة مناسبة لإعادة إثارة الإنتباه إلى أهمية الحفاظ على الفضاءات البيئية داخل الحواضر وخاصة حدائق القرب، لما لها من دور مهم في الحفاظ على نقاء وصفاء الجو العام داخل المدينة، وزرع الوعي البيئي لدى الناشئة وعموم الناس.
وتمثل حدائق القرب، حسب رئيس فرع فاس لجمعية مدرسي علوم الحياة والأرض، يونس جرديوي، متنفسا مهما لمختلف فئات المجتمع، فبالإضافة لكونها رقعة خضراء، يفضل الكثير من الساكنة تجاذب أطراف الحديث وهم يمارسون رياضة المشي على جنباتها، فهي المكان المفضل أيضا للرياضيين لممارسة أنشطتهم الفردية كالجري، كما تعتبر ملاذا للطلبة المقبلين على اجتياز الامتحانات لما يجدون فيها من هدوء يساعدهم على التركيز ومراجعة الدروس.
ولاحظ الفاعل البيئي أنه رغم المجهودات المبذولة للحفاظ على فضاءات القرب الخضراء، إلا أن البناء الإسمنتي يزحف على الفضاءات الخضراء ويقلص في كل يوم من المساحة المخصصة لها، فضلا عن معاناة عدد من الحدائق الحالية من الإهمال وعدم التتبع اليومي لنظافتها وجماليتها، وهي مسؤولية مشتركة يتحمل فيها المواطن نصيبه منها.
وأكد يونس جرديوي أن كل الحواضر اليوم بحاجة ماسة وملحة لتعزيز تواجد حدائق القرب بها، حيث لا يتجاوز معدل المساحات الخضراء بمدينة فاس 3 أمتار مربعة حسب آخر الإحصائيات للفرد الواحد، في حين توصي التقارير الدولية بمعدل 20 مترا مربعا على الأقل لكل فرد.
ويضيف أنه ما دام توفر حديقة وتملكها داخل المنزل أمر غير متاح لكل المواطنين، فإن الحديقة العمومية هي ملاذ الآلاف من السكان للاستمتاع باللون الأخضر الهادئ، آملا في تغيير سلوكيات أنانية لبعض المواطنين تكرس غياب تربية بيئية لدى المواطن مثل رمي القمامة ونزع الأزهار وتخريب بعض المرافق.
وقال يونس جرديوي إن مدينة فاس تتوفر على عدد محدود من حدائق القرب، وبالتالي لا يتحقق عامل القرب للمواطنين من الحديقة، مقدما مثالا بعاصمة السويد ستوكهولم التي توفر للسكان 95 في المائة من المساحة الخضراء، ولا يبعد الفضاء الأخضر عن المواطنين بأكثر من 300 متر مربع عن مقر سكانهم، كمعدل.
وذكر رئيس فرع فاس لجمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بأن الجمعية عملت بشراكة مع عدد من المؤسسات والهيئات، على إنجاز مجموعة من المشاريع بهدف تحسين صورة حدائق القرب، كمشروع الإنتاج المشترك للطاقة، كما ساهمت الجمعية في تشجير بعض الحدائق العمومية لمدينة فاس، وانخرطت في حملات النظافة لمتنزه غابة عين الشقف، ساعية إلى ترسيخ ثقافة الحفاظ على الأنظمة البيئية لدى الناشئة وعموم الناس.
ودعا الفاعل البيئي إلى مضاعفة الجهود من أجل إخراج حدائق قرب كافية بمدينة فاس، مع ضرورة وضع برنامج تدبيري على المدى البعيد لكل حديقة عمومية، قبل التفكير في إنجازها على أرض الواقع، وتربية الشباب على بيئية ضامنة لسلوكات مواطنة ومسؤولة، تضمن استمرارية الحياة بحدائق القرب.
المصدر: الدار- وم ع