أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: ماذا لو حاصرنا إسبانيا بجرائمها؟

الدار/ افتتاحية

جرائم إسبانيا في حق المغرب والمغاربة قائمة طويلة من مآسي التاريخ والاعتداءات على الإنسانية. لم تكن علاقة الإسبان بالمغرب دائما سلمية وهادئة، والجريمة العنصرية الأخيرة التي شهدتها مورسية وأودت بحياة مواطن مغربي ليست سوى مشهد عابر من مشاهد اليوميات العنصرية التي يعيشها المهاجرون المغاربة في إسبانيا منذ عقود. لكنها إذا قورنت بالفظاعات التي ارتكبتها جيوش إسبانيا الاستعمارية فإنها ستبدو مجرد مخالفات بسيطة.
من قلب هذا التاريخ الدموي هناك مغاربة وضعوا على عاتقهم مطاردة إسبانيا بجرائمها ضد المغاربة، وأفظع تلك الجرائم ما ارتكبته الجيوش الاستعمارية ضد المدنيين في منطقة الريف. فخلال حرب الريف الثالثة في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسباني ما بين 1921 و1927 ألقى الجيش الإسباني على قرى وديعة بقنابل تجريبية كيميائية في محاولة لإخماد مقاومة شمال المغرب بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابي.
وكانت الهجمات التي وقعت عام 1924 هي المرة الأولى في التاريخ التي تلقي فيها طائرات غاز الخردل، أي قبل عام واحد من توقيع اتفاقية جنيف “لحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات والوسائل الحربية البكتريولوجية”. وحتى تتأكد الجريمة الإسبانية بكامل معالمها استخدمت إسبانيا في هذه الجريمة البشعة غازات من إنتاج الشركة الوطنية الإسبانية للمنتوجات الكيماوية.
إسبانيا التي تركت شمال المغرب أرضا مقفرة كأنها لم تستوطنها ارتكبت جريمة أخرى عندما قررت تجنيد آلاف من أبناء المنطقة ضدا على إرادتهم والزج بهم في أتون الحرب الأهلية الإسبانية التي لا ناقة لهم فيها ولاجمل، حيث قضى منهم الآلاف حتفهم بينما أصيب الآلاف بجروح لم تلتئم حتى مع مرور الزمن. نحن لا نتحدث عن إسبانيا القرون الوسطى نحن نسرد أحداثا وقعت بالأمس القريب أي في القرن العشرين ولا يزال الكثير من ضحاياها المغاربة يتحسسون مواضع الألم النفسي والعضوي التي تركتها. لا يجب أن ننسى أن أكثر مناطق المغرب معاناة من حالات السرطان إلى اليوم هي مناطق شمال المغرب بسبب مخلفات الغازات الإسبانية السامة التي بقيت في الهواء والماء والتربة، إضافة إلى التشوهات الجينية التي نتجت عنها وتوارثها أجيال من الريفيين. هذه الجرائم تمثل وصمة عار في جبين إسبانيا التي ينبغي بدلا من استعراض عضلاتها على الجار أن تعترف بتاريخها الأسود وتبحث عن تبييض صفحاته من خلال اعتذار تاريخي شجاع والقطع مع الممارسات الاستعمارية سواء في مقاربتها لقضية الصحراء المغربية أو ملف سبتة ومليلية المحتلتين. إن تشبث إسبانيا بالعجرفة الكولونيالية دليل أيضا على تشبثها بجريمة الغازات السامة ضد المدنيين. هل يتبنى الاشتراكيون التقدميون (يا حسرة) الذين يقودون الحكومة جرائم الإبادة الجماعية ضد الأطفال والنساء والشيوخ؟
هذا ما يمكن أن نفهمه من استمرار إسبانيا، التي تدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، في محاولة إهانة المغرب والسعي دائما إلى الاستقواء عليه بحلفاء من أوربا وخارجها.
معركتنا كمغاربة رسميين وشعبيين مع إسبانيا يجب أن تنتقل إلى مرحلة جديدة من المصارحة، نحن لم نحتل مدريد ولا برشلونة، ولم نقتل الباسك أو الكاطالانيين، ولم نلق بغازات سامة أو قنابل حارقة، ولم نرحل مئات الآلاف من الإسبان من قراهم. هذه جرائمهم هم في حقنا، ولذلك يجب أن يفتح هذا الملف أيضا إلى جانب المطالبة الرسمية باستقلال سبتة ومليلية المحتلتين، ونطالب باعتراف السلطات الإسبانية بجرائمها والاعتذار عنها، وتعويض المناطق المتضررة ماديا ورمزيا. ولا يجب أن تتردد السلطات في رفع هذا الملف إلى أعلي الهيئات الدولية الأممية، لأن الذي يجب أن يخاف ويخجل هو المستعمِر والقاتل وليس الضحية المضطهد. ولو حاصرنا إسبانيا بجرائمها مثلما نحاول اليوم محاصرة المدينتين السليبتين، لربما قطعنا أشواطا جديدة في إعادة بناء علاقاتنا مع الجارة الإيبيرية.

زر الذهاب إلى الأعلى