أخبار الدارسلايدر

مكتب مكافحة الإرهاب بالرباط.. اعتراف جديد بالخبرة المغربية

الدار/ افتتاحية

لا يجني المغرب ثمار استراتيجيته الناجحة في مكافحة الإرهاب على الصعيد الأمني الداخلي فقط، هناك مكاسب أخرى أكثر امتدادا إقليميا ودوليا. الأجهزة الأمنية تفكك عشرات التنظيمات والخلايا الإرهابية النائمة والناشطة، كما تنسق بشكل ناجع وفعال مع الجيران في الشمال والجنوب، وتجنب الكثير من البلدان ويلات وكوارث حقيقية، وفي الوقت نفسه تؤسس لصورة الدولة المغربية الراعية للأمن والاستقرار، والقادرة على حماية مواطنيها بل وحماية مواطنين من جنسيات أخرى في بلدان أجنبية كان من الممكن أن تشهد جرائم إرهابية فظيعة. هذا هو واقع وحصيلة المقاربة المغربية للظاهرة الإرهابية. هذه الحصيلة هي التي تؤهل بلدنا عن جدارة واستحقاق لاحتضان مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا.

ليس من السهل بتاتا أن يحصل بلد ما على هذا الشرف، ويحظى بثقة المنتظم الدولي من أجل إيواء مؤسسة من هذا القبيل تغطي مساحة جغرافية واسعة تشمل عشرات البلدان الإفريقية. هذا المكتسب الذي تم افتتاحه رسميا أمس الخميس بالرباط ليس سوى اعتراف دولي جديد بنجاعة الاستراتيجية الوطنية في مكافحة الإرهاب والتصدي للتنظيمات الإرهابية. إنها استراتيجية متواصلة منذ 2003 إلى يومنا هذا. بدأت بإعادة هيكلة الحقل الديني ووضع برامج لمحاربة أحزمة الفقر وإعادة هيكلة التنسيق الأمني وتطوير القدرات التقنية لتصل اليوم إلى تبويء المغرب مكانة مرموقة في هذا المجال. لقد نجحت الأجهزة الأمنية مرارا وتكرارا في تحذير دول صديقة كفرنسا والولايات المتحدة من تحركات إرهابية محتملة. كم كانت تلك المعلومات التي تم تقديمها نفيسة بالنسبة لحكومات هذه البلدان وكم جنبتها من مآسي وآفات إنسانية؟

لكن المغرب الذي يعتبر أكثر بلد عربي وشمال إفريقي منفتح على القارة السمراء اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، لا يريد أن تُحرم الدول الإفريقية بدورها من الإمكانات المتاحة والخبرات المتوافرة للتصدي للظاهرة الإرهابية. المغرب حذر ولا يزال من تنامي الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الإفريقي، ويتابع عن كثب تطورات العمليات الإرهابية هناك، التي تحصد أرواح الأبرياء وتهدد استقرار الكثير من البلدان في مالي والنيجر، وحتى حدود نيجيريا والكامرون. والسلطات المغربية واعية بأن إفريقيا التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية المزمنة ومن تجذر الفقر والحرمان تعد أكثر احتياجا من غيرها للدعم والمساندة الأمنية واللوجيستيكية في مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة. وليس من المستبعد أن تكون السلطات المغربية وراء بلورة مشروع هذا المكتب الأممي والحرص على خروجه إلى حيز الوجود، واحتضانه أيضا لتقديم يد المساعدة للأشقاء جنوب الصحراء.

إن حرص المغرب على أن تستفيد إفريقيا من كل ثمار فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وبرامج التنمية في إطار التعاون جنوب-جنوب لا يوازيه في الأهمية إلا هذا الحرص أيضا على تعزيز استقرار هذه البلدان التي تعجز أحيانا لأسباب داخلية وأحيانا نظرا لتدخلات أجنبية عن مواجهة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها. لذلك سيشكل مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب بالرباط منصة جديدة لنقل الخبرات المغربية نحو الجنوب. ومثلما يستفيد العديد من نخب إفريقيا من فرص التأهيل في مجالات الاقتصاد وفي تخصصات علمية ودينية عديدة، سيستفيد المسؤولون عن أمن هذه الدول الإفريقية من خبرات المغرب في مجال التصدي للإرهاب ومكافحته.

هذه الخبرات التي ستنقل إلى بلدان جنوب الصحراء هي في الوقت نفسه جسور جديدة تمتد نحو القارة السمراء من أجل مزيد من التعزيز للعلاقات مع عمقنا الإفريقي. فإفريقيا لا تنتظر منا فقط طرقا تجارية أو أنابيب لنقل الطاقة أو موانئ للمد البحري وإنما تتوقع أيضا من المغرب ومن العالم طوق نجاة من تغول ووحشية الإرهاب وجماعاته.

زر الذهاب إلى الأعلى