أخبار الدارسلايدر

حكومة سانشيز.. الانفصال للمغرب والوحدة لإسبانيا

الدار/ افتتاحية

بكل مظاهر التناقض والمفارقات السياسية الغريبة تواصل حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية تحدي منطق العلاقات الدولية، وهي تدافع عن وحدتها بينما تكيد للوحدة الترابية للمغرب، وتحاول تغذية الانفصال وإحياء أطروحة الاستفتاء من رمادها. لم تمتلك سانشيز أي حمرة للخجل وهو يصدح في البرلمان الإسباني اليوم في مواجهة الاستقلاليين الكتالونيين قائلا “لن يكون هناك استفتاء على تقرير المصير” في كاتالونيا لأن حزب العمال الاشتراكي “لن يقبله أبدا”. لن الحزب العمالي الاشتراكي في إسبانيا أطروحة الانفصال في كتالونيا رغم أنها تحظى بقبول واسع في أوساط ساكنة الإقليم لكنه مستعد لإثارة الفتن والقلاقل في الصحراء المغربية ودعم انفصاليي البوليساريو بل والتواطؤ مع الجزائر لأجل ذلك.

وبعد أن أفرجت حكومة سانشيز بعفو عام عن تسعة من قادة الاستقلال في كتالونيا يحاول سانشيز التحذير من مغبة العودة إلى طرح أي استفتاء في الإقليم أو الترويج لأطروحة الاستقلال. يحدث هذا على الرغم أن نظام الجهوية في إسبانيا يعطي للأقاليم المختلفة صلاحيات واسعة ويتيح لها التعبير من خلال مؤسسات محلية كالبرلمان المحلي والحكومات المصغرة. وعلى الرغم من ذلك فإن النفس الوحدوي الذي يتحدث به الاشتراكيون الإسبان يتناقض تماما مع يدافعون عنه خارج أراضيهم وخصوصا في المغرب. هذا التناقض هو الذي يجب أن يظهر اليوم للعيان، وللمنتظم الدولي وللشركاء الأوربيين. وإسبانيا بالمناسبة مليئة بالعقد والتناقضات في نظرتها إلى المسألة الاستعمارية.

إسبانيا ترفض سيطرة بريطانيا على جبل طارق وتطالب رسميا باستعادته لكنها تعتبر سبتة ومليلية المحتلتين التي تقعان في شمال المغرب وفي القارة الإفريقية أراضي إسبانية وتدفع الأوربيين إلى اعتبارهما بمثابة الحدود الجنوبية الغربية للاتحاد الأوربي. تدافع عن تقرير المصير في الأقاليم الجنوبية البعيدة عن أراضيها في المغرب، لكنها ترفض منح الكتالانيين والباسك حقهم في تقرير مصيرهم والحصول على استقلالهم، علما أن الاستفتاءات التي سبق إجراءها في كتالونيا أكدت كلها رغبة الشعب الكتالاني في الانفصال عن مدريد. هذه هي إسبانيا التي تقدم نفسها على أنها مثال للانتقال الديمقراطي ولدولة الحق والقانون التي نشأت من قلب ديكتاتورية عسكرية عمرت لعقود.

وإذا كانت إسبانيا قد تخلصت من ديكتاتورية فرنكو كما تدعي، فإنها على ما يبدو لم تتخلص بعد من ديكتاتورية العقلية الاستعمارية التي لا تزال تحكم مسؤوليها ورؤساء حكوماتها ووزراءها. نحن أمام بلد يعتبر الوحدة حلالا عليه، وحراما على جاره الجنوبي. بلد يريد أن يستغل أراضينا ومواردنا البحرية والبشرية والزراعية لكنه لا يريد بالمقابل أن يعترف لنا بالسيادة الكاملة على ترابنا وعلى مواطنينا. لقد عبر المغرب في وقت سابق عن قمة الالتزام تجاه علاقاته مع إسبانيا عندما رفض استقبال زعيم انفصاليي كتالونيا وأخبر السلطات الإسبانية بما تقدم به هذا الأخير للسلطات المغربية. وكان من الممكن أن تحافظ إسبانيا على حبل الود مع المغرب لو أنها فعلت الأمر ذاته بعد أن قررت استقبال انفصالي مثل بن بطوش متابع في قضايا جنائية وجرائم ضد الإنسانية.

لسنا من دعاة الفتنة، لكننا نعتقد أن الوجه الاستعماري لإسبانيا في حاجة إلى صفعة انفصالية مزلزلة حتى يستيقظ جارنا الإيبيري من غفوته وغفلته. نحن أصحنا نتمنى أكثر من أي وقت مضى أن تنفلت أقاليم إسبانيا، التي تعرف بالمناسبة كلها بذور انشقاق ثقافي وتاريخي معروف، في الأندلس وغاليسيا والباسك وكتالونيا، حتى تدرك مدريد حقيقة الانفصال ومدى تأثيره على استقرار الدول وأمنها. حين ستدخل إسبانيا في دوامة الانشقاقات بما تعنيه من زلزال سياسي ستدرك لا محالة أنها كانت تنفخ في نار الفتنة المدمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى