أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: ما حدث في أفغانستان.. درس للجزائر

الدار/ افتتاحية

مشهد المواطنين الأفغان الذي اقتحموا مطار كابول وطاردوا الطائرات الأمريكية وتوسلوا من أجل ركوبها يؤكد أن التبعية والارتهان للأجنبي لا يمكن أبدا أن يمثل مشروعا سياسيا أو حضاريا لأي دولة كانت. صحيح أن هؤلاء الأفغان المساكين كانوا لعبة في أيدي من وظفوهم واستغلوهم من مختلف القوى التي كانت متدخلة في الصراع الداخلي، لكن منظرهم الذي يدعو للشفقة يؤكد بالملموس أن الرهان الحقيقي للدول خصوصا مع إرهاصات نظام عالمي جديد هو توحيد الصف الداخلي والتعويل على الاستقلالية الذاتية. والطائرة في مشهد المطار ترمز إلى الوهم الذي تبنيه بعض الأنظمة من خلال الانخراط في تحالفات مع قوى أجنبية تبيعها أحلاما مزيفة عن التقدم والاستقرار والدعم اللامشروط. والحال أنه لا يوجد حليف لا يفرض شروطه ولا يبحث عن مصالحه.

هذه هي أمريكا كما عرفناها طوال التاريخ المعاصر. ما فعلته في كابل فعلته قبل عقود في سايغون بفيتنام عندما حاول عملاءها التشبث بطائرات الهيليكوبتر الأمريكية وهي تغادر المطارات، لكنهم لفظوا مثلما تلفظ الجيف. ومثلما قلنا قبل سنوات عندما عولت بعض الأنظمة العربية المتهالكة تحت وطأة الربيع العربي “المغطي بأمريكا عريان”، سيظل هذا المثل خالدا إلى الأبد، ما دامت مقومات وشروط الارتهان للأجنبي تتكرر في كل وقت وحين.

ونحن نتابع هذه المشاهد التاريخية المعادة لعودة نظام بائد إلى السلطة بعد رحيل عراب النظام العميل، نتساءل بصدق ولوعة في الآن نفسه، لماذا تصر إذن بعد الأنظمة السياسية والعسكرية القائمة في العالم العربي وفي المغرب العربي على الخصوص على استمرار شروط التبعية والارتهان للأجنبي ولقوته ودعمه وتدخله؟ بعبارة أوضح وأكثر صراحة، لماذا تزرع بعض الأنظمة في العالم العربي شروط الفرقة والتمزق وتعادي مشاريع الوحدة التي يمكن أن تعزز استقرارها وأمنها؟ ما جرى في أفغانستان هو أهم درس يجب أن يتلقاه كل من لا يزال متعنتا مصرا على معاداة الجيران والأشقاء والأصدقاء، ويجعل نفسه كل يوم عرضة لأطماع الأجنبي.

لقد أرسل المغرب إشارات قوية في الآونة الأخيرة للجزائر من أجل العودة إلى رشد التاريخ والاستعداد للمرحلة القادمة التي ستصبح فيها دول المغرب العربي فريسة أكثر من أي وقت مضى للقوى الغربية، وخصوصا منها الأوربية. هناك غيرة ألمانية وفرنسية على الخصوص من احتمال تراجع النفوذ في إفريقيا لصالح المغرب، ومن ثمة لصالح دول منطقة المغرب العربي. هذا ما دفع مثلا أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية المرموقة لتوجيه توصيات للحكومة الألمانية من أجل العمل على الحد من الصعود المغربي في المنطقة، وخلق نوع من التوازن بينه وبين الجزائر. هذا التوازن المصنوع، يريده المغرب طبيعيا، ولذلك مد يده مرارا وتكرارا للنظام الجزائري وكانت دعوة المصالحة الأخيرة في ذكرى عيد العرش، صريحة وواضحة.

وحتى لا يلجأ أي كان للاحتماء بأمريكا، ويصبح عريانا، كما ثبت ذلك من جديد، تريد الرؤية الثاقبة الإفريقية والمغاربية للملك محمد السادس أن تصبح التكتلات الإقليمية أكثر قوة ووحدة وتماسكا في مواجهة الأطماع الغربية. إن الملك يدرك حجم القوة التي سيشكلها تحالف مغاربي يضم دولتين مثل المغرب والجزائر بمقوماتهما الطبيعية والصناعية والبشرية وامتدادهما العربي والإفريقي. ولهذا يصر مرارا وتكرارا رغم الجفاء الجزائري على مد يد المصالحة والتقارب، ولن ييأس من ذلك رغم كل ما يفعله جنرالات قصر المرادية.

زر الذهاب إلى الأعلى