أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: إلى متى يظل الشعب الجزائري رهينة العصابة العسكرية؟

الدار/ افتتاحية

كم كان ذكيا تمييز البيان الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية المغربية بين السلطة الحاكمة في الجزائر وبين الشعب الجزائري؟ كم كان ذلك التمييز إنسانيا وراقيا عندما وعدت الخارجية بأن المغرب سيظل صديقا مخلصا ووفيا للشعب الجزائري؟ لا يمكن أن يطلق مثل هذا الخطاب إلا بلد باحث عن الاستقرار والأمن والازدهار في المنطقة المغاربية. هذا التأني البالغ الذي تتعاطى به السلطات المغربية مع ردود فعل العصابة العسكرية في الجزائر، يظهر مدى حنكتها ورزانتها في قضايا حساسة ومصيرية ذات أبعاد مؤثرة على الشعبين المغربي والجزائري معا. لذلك نعيد التذكير إن الذين ينتظرون من المغرب أن يتخذ قرارات متسرعة أو انفعالية بخصوص ملف العلاقات مع الجزائر واهمون وينتظرون المستحيل.

سيواصل المغرب سياسة عدم التدخل في الشأن الداخلي للجزائر، وعلى رأس هذا الشأن التفاعلات التي يجسدها الحراك الشعبي الدائر هناك منذ شهور طويلة. فالمغرب لا يريد بتاتا لا أن يتآمر ولا أن يسقط نظاما ويستبدله بنظام آخر ولا أن يدخل بلده الجار في حالة من الفوضى والانفلات. هناك وعي عميق وراسخ لدى السلطات المغربية بأن استقرار الجزائر وأمنها جزء من استقرار المغرب وأمنه. لكن هذا الالتزام المغربي بعدم الدخول في أي مغامرة غير محسوبة العواقب، يقابله في الجهة الأخرى من الحدود مطالب لنشطاء ومؤثرين تدعو المغرب إلى اتخاذ موقف مما يجري هناك والاصطفاف إلى جانب هذا الطرف أو ذاك.

هذه مسؤولية الجزائريين بحراكهم ونشطائهم وأحزابهم وهيئاتهم. إنها مسؤوليتهم التاريخية الذاتية للانفلات من ربقة الحكم العسكري الغاشم الذي ابتلوا به منذ عقود، وحولهم إلى رهائن في بلد يعاني من كل مظاهر التخلف على الرغم من الثروات والخيرات التي يمتلكها. بعبارة أخرى ليس على الجزائريين أن ينتظروا الخلاص من الخارج سواء من المغرب أو غيره، وإنما عليهم هم كشعب متعلم ومثقف ويمتلك قدرا كبيرا من الوعي السياسي أن يحسموا معركتهم الداخلية مع هذا النظام الذي لا يكتفي على ما يبدو بتخريب مقدرات الجزائريين بل يريد أن ينقل الخراب والدمار إلى كل بلدان المنطقة المغاربية، ويعطل كل فرص وإمكانات تقدمها وتطورها.

وهنا يواجه الشعب الجزائري سؤالا مهما: إلى متى سيظل هذا الشعب رهينة للعصابة العسكرية؟ لقد أبانت هذه العصابة على مدى أكثر من ستة عقود كاملة عن فشلها وعجزها وضيق أفقها، وعلى الرغم من كل التغييرات التي عاشها العالم بسقوط جدار برلين وصعود دولة جديدة وصدمة العولمة وكارثة كورونا إلا أنه نظام ظل متشبثا بخطابات إيديولوجية أكل عليها الدهر وشرب، وتظهر الشعب الجزائري المسكين عندما يخرج خارج بلاده وكأنه قادم من سنوات الخمسينيات أو الستينيات. إذا كان هذا الشعب يرغب فعلا في معانقة رياح التغيير وتحقيق الحلم المغاربي الذي سينقل المنطقة نحو آفاق رحبة لا حدود لها، فإن أول خطوة ينبغي الانكباب عليها هي الحسم مع هؤلاء العسكريين المسنين الذين يقتلون آمال شعب كامل في الحرية والديمقراطية والرخاء.

لقد انهارت جل الأنظمة العسكرية في العالم، ودخلت مناطق واسعة منه مرحلة الانتقال الديمقراطي وتخلصت من أوهام الحرب الباردة، ولم يعد ما يحدث في الجزائر يظهر إلا في بعض الأعمال السينمائية أو في دول وأنظمة شاذة ومغلقة ككوريا الجنوبية أو كوبا أو إيران. لكن الانهيار الأهم الذي سجله الربيع العربي كان هو انهيار جدار الخوف، الذي لا يزال على ما يبدو جاثما على صدور الجزائريين المغلوبين على أمرهم، والمكتوين بنار العشرية الدموية التي عاشتها البلاد في التسعينيات. لكن ومع ذلك فإن حراك فيفري الذي دشن مرحلة جديدة في النضال الجزائري لا يزال جذوة تبعث أملا وحيدا وأساسيا هو القضاء على حكم الدبابة لرؤية المحيط والعالم رؤية صحيحة وواضحة.

زر الذهاب إلى الأعلى