أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: النصف الممتلئ من كأس انتخابات 8 شتنبر

الدار/ افتتاحية

من بين أهم رهانات استحقاقات 8 شتنبر الاستجابة للحاجة الملحة إلى نخبة جديدة من المنتخبين الذين سيتحملون المسؤولية التشريعية والتدبيرية في المركز والجهات والجماعات الترابية. هذه النخبة هي التي يريدها الملك محمد السادس وأشار إلى ضرورة انبثاقها في عدة مناسبات وخطابات رسمية. نخبة تؤْثر مصلحة الوطن على مصالحها الشخصية وتحمل تطلعات المغاربة على عاتقها وتريد أن تقدم للمغرب ما يستحقه في ظرفية خاصة تتميز بتحديات كبيرة في مجال العلاقات الخارجية ورهانات لا تقل أهمية في الشأن الداخلي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وإذا أردنا أن نصارح أنفسنا فإن النخب التي تصدرت اللوائح الانتخابية المعلنة منذ انطلاق الحملة لا تستجيب كلها لهذا الرهان الذي أصبح ضرورة لمستقبل المغرب. كثير من المرشحين لا يتوفرون للأسف على الحد الأدنى من التعليم أو الكفاءة العلمية أو حتى التجربة السياسية الكافية لينبروا لتحمل المسؤولية. كما أن عددا كبيرا آخر منهم مجرَّبون سلفا وسبق لهم أن انتُخبوا لولاية أو ولايتين أو أكثر، وحان الوقت أصلا لتجديد مقاعدهم بنخب شابة وجديدة. لكن حتى لا ننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس فقط، لا بد أن نذكِّر بأن هذه الانتخابات هي أكثر استحقاقات تشهد مثلًا تقدم الآلاف من الشباب إلى الترشيح، كما أنها أول انتخابات ستتسع فيها دائرة اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، وهي أيضا أكثر انتخابات تشهد مقارنة بسابقاتها استعمالا مكثفا للتكنولوجيات الحديثة وتقنيات التواصل الاجتماعي، كما أنها أكثر انتخابات يتقدم لها عدد كبير من المؤهلين جامعيا الحاصلين على شهادات عليا.

يعني هذا أن العرض المقدم من المرشحين في هذه الانتخابات يتضمن في ثناياه الغث والسمين، والطيب والشرير، والمهمة الحاسمة الملقاة على عاتق الناخبين اليوم هي أن يحسنوا الاختيار بين هذا وذاك، وأن يميزوا ذلك المرشح الكفء الذي يحمل هم المغرب والمغاربة، ويمتلك القدرة الفكرية والخبرة الإدارية لأداء مهامه بشكل إيجابي ومؤثر. لا يجب أن ننسى أن هناك نقطة أخرى تزيد في ملء الجزء الممتلئ من الكأس وهي أن هذه الانتخابات تكاد تعد الأكثر نزاهة في تاريخ الاستحقاقات بالمغرب. على الأقل لم تسجل إلى حدود الساعة حالات كثيرة من الرشاوى أو شراء الذمم أو الولائم الانتخابية التي كانت عادة من العادات الجاري بها العمل في كل الاستحقاقات التي شهدها المغرب على الأقل إلى حدود نهاية الألفية الثالثة.

الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة الداخلية بتنسيق مع النيابة العامة كان لها الأثر البالغ في محاصرة هذه الظاهرة، كما أن الوعي المتنامي لدى السكان والناخبين بأن بيع الذمم يعتبر جُرما لا يغتفر، وأنه يضر أولا وقبل كل شيء بمصلحة من يبيع ذمته، قد آتى أكله وبدأت هذه الظاهرة تتقلص. نحن لا ندعي أنه لا يوجد من يبيعون ذممهم اليوم ولا يوجد مرشحون يقدمون الرشاوى، هذه ظاهرة لا يمكن القضاء عليها بالمرة ولكن على الأقل لم تعد متفشية بالشكل الذي كانت عليه في الماضي، عندما كانت تبنى الخيام وتعقد الولائم وتوزع الهدايا والأضاحي “على عينك أ بنعدي” ولا أحد يحرك ساكنا.

من هذا المنطلق نريد أن نركز على هذا النصف الممتلئ من الكأس الذي إذا نجح في إفراز نخبة كُفؤة ونزيهة حتى وإن لم تتجاوز نسبتها 50 في المائة من المنتخبين، فإن ذلك لا شك سيترك الأثر البالغ على أداء المؤسسات التشريعية والجماعية والجهوية التي سنبنيها بعد استحقاقات 8 شتنبر. ولا يمكن للنصف الفارغ أن يمتلأ هو أيضا دون مساهمة الناخبين المدعوين إلى المشاركة بكثافة في اقتراع 8 شتنبر من أجل التغيير وقطع الطريق على عودة الفاشلين إلى سُدة السلطة.

زر الذهاب إلى الأعلى