أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: انتخابات 8 شتنبر.. تثبيت البناء الديمقراطي

الدار/ افتتاحية

في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب اعتبر جلالة الملك محمد السادس استحقاقات 8 شتنبر بانتخاباتها الثلاث التشريعية والجماعية والجهوية تأكيدا لعمق الممارسة الديمقراطية ونضج البناء السياسي المغربي. وبعد أن مرت هذه الاستحقاقات بنجاح في ظل ظروف وبائية استثنائية وسياق إقليمي غير مستقر، يتأكد يوما عن يوم وتجربة بعد أخرى أن الثورة الهادئة التي يخوضها المغرب منذ سنوات تضعه شيئا فشيئا على سكة الإصلاح والتغيير وتفعيل الخيار الديمقراطي الحداثي. وقد أفرزت هذه الانتخابات مؤشرات عديدة تدل على أن المغرب سائر بما يلزم في اتجاه تثبيت الممارسة والبناء الديمقراطي.
أول هذه المؤشرات مرور الانتخابات في أجواء هادئة وطبيعية بعيدا عن أي قلاقل أو مظاهر للعنف أو عدم الاستقرار. لقد كان الناخبون يترددون طوال اليوم على مكاتب التصويت آمنين مطمئنين للتعبير عن اختياراتهم الحرة، في الوقت الذي تمثل فيه الانتخابات في العديد من البلدان المجاورة أو الشقيقة اختبارا أمنيا مرهقا للدولة والناخبين.
ثاني هذه المؤشرات هو نسبة المشاركة المعتبرة التي تم تسجيلها. فمنذ سنوات لم تتجاوز هذه النسبة 50 في المائة، وهذه مسألة تعتبر من أهم مكاسب اقتراع 8 شتنبر على اعتبار أنها قد تمثل بداية استرجاع الثقة بين المواطن والعملية الانتخابية. كما أن هذه النسبة تعتبر تعزيزا لشرعية المؤسسات التي ستنبثق عنها بملايين الأصوات التي ساهمت في صعود الأحزاب المشكلة لها.
ثالث هذه المؤشرات هو الاستثناء الديمقراطي المغربي الذي يميل إلى التعبير الحر بدلا من الإقصاء أو الاستئصال. لقد عبر الناخبون بحرية عن إرادتهم وقرروا إخراج الحزب الحاكم على مدى عشر سنوات من دائرة السلطة، دون عنف أو صراع، وإنما فقط باستعمال أصواتهم وصناديق الاقتراع. كما يُحسب للإدارة أن تنبهت قبل الاقتراع إلى ضرورة تعديل القاسم الانتخابي من أجل الحفاظ على أقصى مستويات التعددية. لقد كان من الممكن دون هذا القاسم الانتخابي الجديد أن تخرج بعض الأحزاب تماما من كل المؤسسات، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية. لكن رغبة الإدارة في ضمان التعددية كان وراء إنقاذ هذا الحزب بما حصل عليه من حد أدنى من الأصوات.
رابع المؤشرات الإيجابية هو تلك المساهمة المكثفة لهيئات الرقابة المحلية والدولية في ملاحظة انتخابات 8 شتنبر. كل الملاحظات والتقارير ركزت على اعتبارات هامشية من حيث نزاهة الاستحقاق وديمقراطيته. فركزت على غياب الولوجيات بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، أو ضعف التمثيلية النسائية والشبابية مقارنة بالتمثيلية الذكورية وتمثيلية كبار السن. كما أن كل شهادات الملاحظين الدوليين الذين انتشروا في مكاتب التصويت عبر أرجاء المملكة أكدت على السير الطبيعي والعادي للاستحقاقات في غياب أي تدخل للإدارة أو إقصاء لممثلي المرشحين وأحزابهم.
خامس مؤشرات تعميق الممارسة الديمقراطية عبر هذا الاستحقاق تتعلق بالإجراءات الدستورية التي تلتها، من حيث إعلان النتائج في وقتها المناسب، وتعيين رئيس الحكومة المكلف وانطلاق المشاورات مع مختلف الأحزاب والقوى السياسية مع الحرص الدائم على وضع الرأي العام في الصورة بشكل منتظم. وإضافة إلى ذلك سارت التحالفات في المجالس الجماعية ومجالس المدن في مسارها الطبيعي بعيدا عن ظواهر الاختطافات والاحتجاز التي كانت تسجل في الماضي، بل إن عقد التحالفات داخل مجالس المدن الكبرى عرف سلاسة وسرعة كبيرة تتناسب مع استعجالية التحديات والرهانات التي تنتظرها.
هذه فقط بعض من مؤشرات ترسيخ المسار الديمقراطي كما عززتها استحقاقات 8 شتنبر وكما ستزيد من تعميقها المؤسسات المنتخبة المترتبة عن هذا اليوم التاريخي في حياتنا الديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى