أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: من ينقذ نظام الجزائر من عدائه لنفسه؟

الدار/ افتتاحية

لقد أصبح المغرب هوسًا حقيقيًا بالنسبة للنظام العسكري في الجزائر. لا يكاد يمرّ أسبوع حتى يطلق بعض المسؤولين الجزائريين تصريحات عدائية صريحة للمغرب، واتهامات لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد، ويختلقون لتبرير ذلك مؤامرات من وحي الخيال عن العمليات الإرهابية ومحاولات زعزعة استقرار البلاد إلى غير ذلك من الأسطوانات المشروخة التي حفظناها من إعلام العصابة. لكن هذا الهوس والإدمان على اتهام المغرب ليس سوى لعبة لتصريف الأزمة الداخلية وتشتيت أنظار الشعب الجزائري والهروب من مواجهة الأولويات التي ينبغي الانكباب عليها في ظل تنامي دعوات الاحتجاج من جديد في مختلف أرجاء البلاد.

لكن إلى متى سيظل هذا الهروب مجديًا بالنسبة للعصابة الحاكمة في الجزائر؟ صحيح أنها استطاعت من خلال تصوير المغرب كعدو على مدى عقود أن تحافظ على هيمنتها على السلطة وتواصل فرض القيود على الحريات العامة والتحكم في الآلة الإعلامية، لكن لقد تغيرت الكثير من المعطيات اليوم على أرض الواقع. كان من الممكن الاستمرار في استثمار هذا الخطاب القديم بشكل مريح لو كان الشعب الجزائري يعيش في أجواء الثمانينيات والسبعينيات داخل تلك الفقاعة المغلقة التي لا تخترقها أي معلومة أو مستجد من الخارج، لكن اليوم ومع الغزو الإعلامي الهائل الذي تمثله شبكات التواصل الاجتماعي من الصعب حجب الحقائق عن الجزائريين البسطاء المكتوين بنار هذا النظام المجنون.

في الحقيقة إن نظام العسكر دخل المرحلة الأخطر في جنونه، إنها مرحلة عدائه لنفسه. نعم، ما يفعله اليوم هذا النظام الستاليني من إصرار على تحميل كل إخفاقاته ومطباته للمغرب وللسلطات المغربية هو ورقة مفلسة ومحرجة له هو نفسه. مَن مِن مواطني الشارع الجزائري اليوم يصدق كل هذه الترهات والسيناريوهات المفبركة التي تحاول السلطة التحجّج بها للاستمرار جاثمة على صدور الجزائريين؟ لقد كشف أغلب الجزائريين هذه الدعاية المستهلكة بل وملّوا منها، ولا تغرّنكم تعليقات الذباب الإلكتروني الممول من طرف العصابة العسكرية هناك. الجزائري يعرف اليوم معرفة اليقين أنه يعيش تحت ظل نظام عسكري فاشل لا يستطيع حتى توفير الاحتياجات الأساسية من تموين وماء وكهرباء وغاز، في بلد يعد من أغنى بلدان العالم بالموارد الطاقية يا حسرة.

ولهذا نؤكد أن نظام العسكر يواصل اليوم عداءه لنفسه، لأنه هدم كل الأساطير السابقة التي كان يقتات عليها. لقد تهدمت صورة النظام الموروث عن حركة التحرير والثورة الجزائرية، ولم يعد الجزائريون يؤمنون بأن جبهة التحرير الوطني تمتلك شرعية كافية للاستمرار في الحكم، علمًا أن هذا “الحزب الكرتوني” لم يعد يحكم حقيقة منذ عقود، منذ أن استولى جنرالات الظل على القرار وألِفوا توظيف رؤساء “كراكيز” في الواجهة من قبيل الرئيس الحالي. كما تهدمت أسطورة أخرى كان هذا النظام يقتات عليها، وهي أنه نظام عروبي وقومي يعادي القوى الاستعمارية الغربية منذ أن تبين أن الجزائر شريك استراتيجي لفرنسا في كل عملياتها العسكرية التي تجريها في منطقة الساحل والصحراء، وفضح النظام الفاشل نفسه عندما قرر مؤخرا منع الطيران العسكري من عبور أجوائه على خلفية تصريحات ماكرون الأخيرة.

الأسطورة الوحيدة التي لا يزال نظام العسكر يعيش عليها ويريد أن يستمر في النفخ فيها هي أن المغرب بلد عدو له طموحات توسعية ولا بد من التصدي له ومواجهته. ولذلك فمن المتوقع أن يعلن هذا النظام على رأس كل شهر عن سيناريو أو مؤامرة جديدة ويأتي بممثلين محترفين ليظهرهم أمام الكاميرات ويتهمهم بالتواطؤ مع المغرب من أجل قلب النظام ولن يمل من ذلك، لأنها ستكون فعلا آخر ذرائع هذه العصابة التي أعلنت رسميا العداء لنفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى