أخبار الدارسلايدر

الدار/ تحليل: الولاية الثالثة لادريس لشكر..أزمة تجديد النخب ومحنة الديمقراطية الداخلية

الدار/ تحليل:

ما دلالة تمتيع ادريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي بولاية ثالثة على رأس الحزب؟ لا نقصد هنا الدلالات التنظيمية المرتبطة بالشأن الداخلي للحزب، وإنما بأبعاد هذا المقترح على مستوى الحياة الحزبية الوطنية والثقافة السائدة في الهيئات السياسية الوطنية. لقد تدرّج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ مشاركته في حكومة التناوب أواخر القرن الماضي في سلم الأزمة وخسر شيئا فشيئا رصيده الشعبي وقوته الانتخابية ثم خسر في النهاية قدرته النظرية والفكرية التي كانت تميزه عن الأحزاب الأخرى إبان العصر الذهبي للاتحاد. وقد كان هذا النزول نحو الهاوية طبيعيا عاشته الكثير من الأحزاب السياسية التي تولد ثم تكبر فتشيخ وربما تموت.

لكن تشبث الحزب في النهاية بزعيم واحد ممثلا في ادريس لشكر يعكس أن الحزب بلغ مبلغًا آخر أكثر عمقا في قاع الأزمة التي نتحدث عنها. إنه العجز التام والمطلق عن إفراز قيادة سياسية جديدة تستطيع أن تعيد للحزب الاشتراكي الأكبر في الماضي قوته ومكانته. وليس العيب هنا في طموح ادريس لشكر من أجل العودة إلى التربع على عرش القيادة من جديد ولكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، فحتى إذا التفتنا إلى تشكيلة المكتب السياسي للحزب سيكون من الصعب علينا إيجاد شخصية سياسية تنتمي إلى مجال التجديد والنخب الصاعدة وتمتلك في الوقت نفسه الكفاءة الكافية لقيادة هذا الحزب، هذا إذا لم نقتنع بانتخاب واحد من ديناصورات الحزب التي عمّرت في القيادة عمراً ربما يفوق عمر ادريس لشكر السياسي نفسه.

الولاية الثالثة المقترحة لادريس لشكر هي في الحقيقة مجرد عنوان لأزمة تجديد النخب الحزبية وتشبيبها ولمحنة الديمقراطية الداخلية في مختلف الأحزاب السياسية التي لم تستطع في النهاية أن تقدم النموذج الديمقراطي المنشود القادر على التحول إلى بديل فعلي ومشروع سياسي حقيقي بعيدا عن التنظير المثالي. لقد كان من المفروض بعد أن فشل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الانتخابات الأخيرة في العودة إلى المراتب المتقدمة أو في إقناع رئاسة الأغلبية بقيمته السياسية لاستقطابه من أجل المشاركة أن يتم تقديم الحساب لقواعد الحزب وفسح المجال أمامها من أجل التعبير عن الشكل المناسب للمساءلة والنهج المطلوب لتصحيح الأخطاء وتجاوزها.

لكن في النهاية على ما يبدو فإن أغلب الأحزاب السياسية أضحت تميل إلى مكافأة القيادات المنهزمة وتزكيتها على الرغم من فشلها في الحالي أو السابق. ولنا فيما وقع في حزب العدالة والتنمية مؤخرا أكثر مثال على ذلك، كيف يعقل أن يعاد انتخاب عبد الإله بنكيران الذي كان قد خرج من قيادة الحزب بعد أن فشل في تشكيل التحالف الحكومي؟ هذا يؤكد ما أشرنا إليه سابقا، إن الأحزاب السياسية تعاني من عقدة الذنب تجاه من يتولون قيادتها، وكأن الزعيم الحزبي يتفضّل على حزبه بقبول رئاسته وتحمل مسؤولياته ومن ثمة فلا بد من التوسل إليه أحيانا حتى يبقى على رأس الهيئة الحزبية التي يقودها.

سنظل نقولها ونعيدها، إن العبرة ليست بالتنظير الإيديولوجي ولا بالمرجعيات مهما كانت جذورها وأصولها ولا بالتدرّج الزمني داخل الأجهزة والهياكل وإنما العبرة في الحزب الذي يحتاجه مغرب الألفية الثالثة بالنجاعة والكفاءة الناجزة القادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة وتجاوز الخلافات السياسوية المعيقة والمسارعة إلى تقديم المشاريع والمقترحات القادرة على حل مشكلات المغاربة وتجاوز معضلات الوطن بدل الانشغال بالصراع حول المواقع والحصص وتلبية الطموحات الشخصية الضيقة. إن المغرب لا يريد زعيما حزبيا قادرا على جمع شتات فصيل داخل حزبه، بل إنه في حاجة إلى زعماء قادرين على جمع كلمة المغاربة حول وطنهم وثوابتهم والسير قدما نحو حمايتها وتعزيزها بالمنجزات الواقعية فكرا وقولا وفعلا.

زر الذهاب إلى الأعلى