أخبار الدارسلايدر

الدار افتتاحية: المغرب في 2021..سيادة تتعزز وعلاقات خارجية تتنوع وديمقراطية تتكرّس

الدار/ افتتاحية

لم يختلف العام الذي نودعه عن سابقه من حيث استمرار مناخ الأزمة وأجواء حالة الطوارئ الصحية والركود الاقتصادي بسبب إجراءات الإغلاق والاحتراز. هذه تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد التي تعصف بالعالم كله، وليس المغرب بدعا من الدول التي تضررت بهذه التداعيات ولا تزال تحاول الانعتاق منها. لكن وسط هذه الصورة القاتمة لا بد أن نتفق أن هناك مغربا آخر ينبثق من قلب الأزمة. هناك مغرب أكثر سيادة على قراراته وأكثر جرأة في تنويع علاقاته الخارجية وأقرب إلى تكريس الخيار الديمقراطي.

لقد عاش المغرب في سنة 2021 جملة من الرهانات والتحديات التي نجح في رفعها بنتائج متباينة لكنها ملموسة. كنا في خضم سنة انتخابية حاسمة تميزت بتغيير جذري في الخارطة السياسية والبرلمانية، بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية اقتراع 8 شتنبر واندحر في سلم النتائج وخرج من دائرة التدبير الحكومي، وصعد بدلا عنه حليفه السابق حزب التجمع الوطني للأحرار. إن أهم مكسب حققه المغرب من هذه التجربة الديمقراطية الجديدة ليس هو صعود هذا الحزب أو تراجع الآخر، وإنما تكريس الخيار الديمقراطي المعزّز بالتعددية الحزبية والتناوب والتداول السلمي على قيادة الحكومة، مع احترام تام للمنهجية الديمقراطية وتفعيل كامل لمقتضيات دستور 2011 على مستوى تدبير نتائج الانتخابات واختيار رئيس الحكومة المعيّن. لقد كان هذا العام الذي نودعه فرصة لتقوية التجربة الديمقراطية ودعم أدوار المؤسسات المنتخبة.

وقبل هذا العرس الديمقراطي الذي توّج سنة استثنائية، كنا على مشارف محك آخر لا يقل أهمية وحساسية فرضته جائحة فيروس كورونا المستجد. يمكن أن نسمّي هذا المحك باختبار السيادة، والذي عبّر عنه المغرب بشكل رسمي بل ومقصود أحيانا من خلال قراراته السيادية المستقلة فيما يتعلق بالتعاطي مع الموجات الوبائية المتعاقبة. لقد رأينا كيف أصبح إغلاق الحدود وفتحها قرارا يخضع لمنطق المؤسسات واللجان المختصة، وكيف كان المغرب طوال هذا العام يتخذ قراراته الخاصة في مجال فرض الحجر الصحي على بلدان بعينها أو يمنع الانتقال منها وإليها، بعيدا عن الخضوع لأي ضغوطات أو توجهات تفرضها مصالح هذه القوى الدولية أو تلك.

وبالموازاة مع هذا الاختبار السيادي الناجح كانت القدرة التنظيمية للدولة أيضا أمام اختبار لا يقل خطورة، يتعلق بإطلاق حملة التلقيح الوطنية وإنجاحها. واليوم وبعد أن وصلت نسبة الملقحين بالجرعتين الأولى والثانية إلى أكثر من عشرين مليون مواطن مغربي، أصبح المغرب في مصافّ البلدان الرائدة إفريقيا وعالميا في هذا المجال. وقد شاهدنا بأم أعيننا كيف كانت حملات التلقيح المتواصلة تسير بسلاسة وانضباط، وكيف تمكنت المصالح الطبية والصحية من تلقيح أعدادا قياسية من المواطنين في يوم واحد بغرض بلوغ المناعة الجماعية، ولن نبالغ إذا قلنا إن المغرب نجح إلى حد كبير جدا في التصدي للجائحة بعد أن تم تسطيح منحنى الإصابات والوفيات وعدنا اليوم إلى أرقام جد متدنية. إن عام 2021 كان عام الانتصار على الجائحة بامتياز.

لكن الانتصار لم يكن على الجائحة فقط، لقد انتصر المغرب أيضا في ساحة أخرى تحظى هي الأخرى بوضع استراتيجي للبلاد آنيا ومستقبليا. يتعلق الأمر بساحة الدبلوماسية والعلاقات الخارجية. لقد تمكّن المغرب في عام 2021 من السير قدما في اختياراته الدبلوماسية الحرة والمستقلة عندما أكمل مسار تطبيع علاقاته مع إسرائيل، وتم تنزيل جزء مهم من مقتضيات الاتفاق المغربي الإسرائيلي الذي تم توقيعه في دجنبر 2020. كما أنه قرر بشكل سيادي أن يعيد رسم قواعد التعامل مع جيرانه الأوربيين وخصوصا مع إسبانيا وألمانيا بعد أن عبر البلدان عن عدوانية غير مقبولة تجاه بلادنا. وتابعنا جميعا كيف دفعت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة ثمن استفزاز المغرب باستقبال زعيم الانفصاليين دون استشارة أو تنسيق، مما أفضى إلى أزمة لا تزال المفاوضات بشأنها سائرة إلى اليوم. كما لم تتردد السلطات الدبلوماسية المغربية في وقف التعامل مع السفارة الألمانية في الرباط بسبب المواقف العدائية المتراكمة لألمانيا تجاه المغرب. كل هذه المواجهات وهذه التغييرات التي عرفها هذا العام جعلت من 2021 سنة ثورة الدبلوماسية المغربية بامتياز، وكرّست لأسس جديدة يريدها المغرب أن تستمر فيما يتعلق بروابطه الخارجية التي يجب أن تبنى على مبدأ الندّية والتكافؤ لا على منطق الضغوط والابتزاز.

زر الذهاب إلى الأعلى