أخبار الدارسلايدر

الدار/ تحليل: حزب العدالة والتنمية يخسر المشاركة ويعجز عن المعارضة

الدار/ تحليل:

يبدو أن حزب العدالة والتنمية أصبح أثرًا من بعد عين. ما يروج في اللقاءات التنظيمية للحزب يؤكد أن هناك سخطا عارما في أوساط البقية الباقية من الأعضاء والمتعاطفين من حالة الضعف والهزال بل والميوعة السياسية التي وصل إليها الحزب الإسلامي الأول في المغرب، الذي كان إلى الأمس القريب يصول ويجول في دواليب الحكومة والبرلمان، ويطلق النار يمنة ويسارا على كل خصومه السياسيين، بل ويخطط لفرض تصوراته وبرامجه السياسية على المؤسسات. ماذا بقي من كل هذا التاريخ؟ على ما يبدو لم يتبقّ من كل ذلك إلا ذكريات زعيمه عبد الإله بنكيران وأحاجيه وحكاياته التي لا تنتهي.

لقد تحوّلت اللقاءات والمجالس والدورات التنظيمية للحزب إلى مجالس تشبه إلى حد كبير سهرات “الحكواتي” الذي كان يلتف حوله الناس قبل ظهور المذياع والتلفاز ليحكي لهم أزلية سيف بن ذي يزن وعنترة بن شداد، الذي أصبح في زمن الاندحار الانتخابي لا يكاد يستطيع أن يحمل حصى من الأرض على أن يحمل سيفا أو رمحا ويسقط عشرات المحاربين الأشداء كما تروي الأساطير والخرافات. ومن المثير أن رجلا سياسيا محنّكا مثل عبد الإله بنكيران لم يفطن إلى أنه يكاد يعلن وفاة حزبه (هذا إن لم يكن يقصد ذلك) بإمعانه في سرد أحداث وتفاصيل كان أولى به أن يؤجلها لسنوات لاحقة ويضمنّها في كتاب مذكراته السياسية الخاصة، مثلما يفعل جلّ رجالات الدولة الملزمين بالتحفظ والمؤتمنين على بعض الأسرار الرسمية.

لكن من الواضح أن السّر الخاص بحزب العدالة والتنمية لم يعد خفيا على أحد. هذا السر هو أننا أمام حزب دخل مرحلة الاحتضار ويستعد ربما للنهاية الطبيعية الوشيكة بعد أن خسر قوته البرلمانية وفقد شعبيته السابقة، بل ويعجز حاليا حتى عن إقناع مناضليه والمنتمين إليه من أجل الاستمرار في مشروع كان إلى الأمس القريب يعد من بين البدائل السياسية المطروحة في البلاد خصوصا في أعقاب احتجاجات 20 فبراير الشهيرة. وبدل أن ينصبّ النقاش في هذا الحزب على البحث بشكل داخلي وجماعي عن الحلول والمقترحات لبناء خطة سياسية جديدة لإنقاذ ما تبقى من صورته ورصيده التنظيمي والشعبي يبدو أن البوصلة تاهت، وأن الفقيه (بنكيران) الذي ينتظر أعضاء الحزب بركته لتعمّ وتنقذ الهيئة السياسية وتعيدها إلى أمجادها إنما يعمل بشكل يومي على توسيع حفرة القبر لدفنه.

ولا شك أن استغاثة بعض المنتمين للحزب بحركة التوحيد والإصلاح ورغبتهم غير المعلنة في إعادة عقد الشراكة بينهما من جديد هو دليل آخر على أن هناك شعورا داخل الحزب بنهاية أسطورة، ومحاولة إحيائها بشتى السبل الممكنة. بل حتى بعض إجابات بنكيران التي قدمها في لقاءاته الأخيرة وأوحى بها إلى أنه غير مستعد للمواجهة مع جهات معينة وأن ما وقع للحزب يجب أن تقبّله كما هو، علامة أخرى على الحالة السياسية الخطيرة التي يعيشها الحزب، فمثل هذه النقاشات لا يمكن أن تطرح إلا في سياق تلغيم الأوضاع الداخلية وظهور توجهات نحو الانشقاق وربما تفجير التنظيم. فبنكيران لا يخجل من اعتبار نفسه واحدا من خدّام الدولة منذ أن قبل المشاركة في الحكومة، وليس مستعدا لمواكبة “سخونية الراس” التي يعبر عنها بعض شباب الحزب، الذين يتهمون الصقور والقيادات من الجيل الأول بالإجهاز على الحزب الإسلامي وعلى مكانته بسبب انزياحهم عن مرجعيته وتجاوزهم لسقف التنازلات التي يمكن أن يقدمها.

وحتى الذين كان لا يزال لديهم أمل في “ريمونتادا” يقوم بها حزب العدالة والتنمية في المستقبل بمناسبة استحقاقات انتخابية قادمة، بدؤوا اليوم ييأسون من هذا الاحتمال بعد أن تبيّن بالملوس أن حزب العدالة والتنمية لا يختلف عن غيره من الأحزاب فيما يخص العجز عن توسيع هامش المناورة السياسية والقدرة على الارتباط بالشارع وإثبات المصداقية المزعومة في التحديات الانتخابية السابقة.

زر الذهاب إلى الأعلى