أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: التدين الصوفي في مواجهة التشييع..المغرب سد منيع لحماية الأمن الروحي الإفريقي من أطماع إيران

الدار/ افتتاحية

ماذا يمثل الأمن الروحي لإفريقيا بالنسبة للمغرب؟ إنه أولوية من أولويات العلاقات الخارجية للمغرب. هذا ما عبر عنه وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة أمام أعضاء مجلس النواب في إطار مناقشة بعض الاتفاقيات الدولية التي عقدها المغرب. لكن هذا الأمن الروحي ليس أولوية ثقافية ثنائية بين المغرب والقارة الإفريقية فقط، وخصوصا الغربية منها، بل هو في واجهة التصدي للأطماع الإيرانية في المنطقة، والتي ظهرت في السنوات الأخيرة في شكل حملات منظمة لنشر المذهب الشيعي في بعض البلدان الإفريقية كالسنغال ومالي والنيجر، بالاستفادة من علاقات قوية ومشبوهة مع نظام العسكر في الجزائر. ولهذا فإن المغرب لن يسمح بهذا الاختراق الروحي الذي يجر وراءه أطماعا جيواستراتيجية كبرى.

فمنذ سنوات تحاول إيران التوغل في إفريقيا الغربية من خلال الترويج للمذهب الشيعي وولاية الفقيه حيث أصبحت إيران تقدم تسهيلات للبعثات الطلابية الإفريقية وتحاول التغلغل في بعض المراكز الدينية والروحية في القارة السمراء في أفق خلق أقليات شيعية مصطنعة في المنطقة التي يسود فيها منذ القدم تديّن صوفي وطُرقي مسالم يجعلها بمنأى عن كل الصراعات الطائفية التي تسود في مناطق أخرى كالشرق الأوسط وآسيا. ولأن المغرب وعى مبكرا هذه المؤامرة الإيرانية فإنه يحاول منذ سنوات تقوية الروابط الروحية بين المملكة وبين بلدان غرب إفريقيا على الخصوص، حيث الصلات بين المريدين الأفارقة وبين الطريقة التيجيانية التي نشأت في المغرب لا تزال قوية ومتماسكة.

ويمتلك المغرب كل المؤهلات والوسائل التي تجعله قادرا على التصدي للمحاولات الإيرانية للتغلغل في إفريقيا وزعزعة الأمن الروحي لشعوبها. فالعلاقات الراسخة التي أضحت تربط بين المغرب وغرب إفريقيا على الخصوص ليست مجرد حركة تجارية وتنقلا لرؤوس الأموال ورجال الأعمال فقط، هناك أيضا حضور متزايد للبعد الروحي والثقافي، حيث يعتبر المغرب أول بلد يشرف على تكوين الأئمة الأفارقة في مختلف العلوم الشرعية لتأهيلهم لمهمة الخطابة والإمامة. ولعل هذا الامتياز يعد من بين أهم الأوراق التي يمتلكها المغرب للتأثير إيجابيا في الحقل الديني الإفريقي بشكل يجعله بعيدا ومحصنا عن الاستغلال السياسي والجيواستراتيجي الذي تراهن عليه إيران.

لقد قام نظام الملالي في إيران بكل ما يستطيع من اجل زعزعة الاستقرار في دول الشرق الأوسط والخليج العربي، ونجح في خلق تنظيمات متطرفة تابعة له، تخوض اليوم حربا بالوكالة وبلا هوادة ضد شعوب آمنة في اليمن ولبنان وسوريا وغيرها. ولعل هذه التجربة المدمرة هي التي يريد النظام الإيراني المتعصب أن ينقلها إلى القارة الإفريقية التي لا تزال بمنأى عن هذه الصراعات في بعدها الدموي. صحيح أن القارة السمراء تعاني من ويلات الحروب الأهلية والانقلابات والصراعات العرقية لكنها ليست في حاجة إلى المزيد من هذه الكوارث الإنسانية التي يمكن أن يجلبها اختلاق طائفة جديدة في المنطقة لأجل عيون الفقيه “المعصوم” الذي يطمح إلى تصدير الثورة المخرِّبة إلى العالم.

لقد اتخذ المغرب في 2018 قرارا حاسما عندما قطع علاقاته مع إيران بعد ثبوت تورطها في تدريب عناصر من البوليساريو، ومن المؤكد أن قرارا كهذا لا يمكن إلا أن يؤسس على معطيات ومعلومات دقيقة تظهر بجلاء رغبة إيران في تحقيق توسع جيواسترتيجي بعيدا عن محيطها الإقليمي من أجل إظهار التفوق المزعوم في مواجهة الدول الغربية كورقة تفاوض إضافية. فإيران التي تساوم اليوم باستقرار منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي في مفاوضاتها مع القوى الغربية حول المف النووي، تبحث عن موطئ قدم إضافي تفرض فيه نفوذها غير بعيد عن القارة الأوربية، وهي تدرك أن هذا لن يتأتى إلا بمحاولة إضعاف النفوذ المغربي في القارة السمراء.

زر الذهاب إلى الأعلى