حوادثسلايدر

الدار/ تحليل: بعد نشر صور موقوفي البرنوصي..هل سيصبح الفضح وسيلة ردع ناجعة في مواجهة الجريمة؟

الدار/ تحليل:

السرعة والفعالية التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية مع حادثة اعتراض طريق السيارات بمنطقة البرنوصي يجب أن تمثل نموذجا لكل العمليات الأمنية والتحركات البوليسية في ملفات تهديد الأمن العام وأرواح المواطنين. وهذا هو الدافع الرئيسي الذي كان وراء اتخاذ المصالح الأمنية ما يلزم من إجراءات لتوقيف المتورطين في هذه الأحداث الخطيرة والنادرة، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال التسامح أو التساهل معها. والأهم في هذه العملية الأمنية هو مستوى التنسيق العالي الذي تميزت به بين مصالح الأمن بمدينة واد زم ومصالح الأمن بالدار البيضاء. كل هذا على ما يبدو لم ينتبه إليه بعض الأصوات الذين شغلتهم فقط الصورة التي تم تداولها للمجموعة الأولى من الموقوفين على خلفية هذه القضية.

والجدل الذي يريد البعض إثارته حول تداول هذه الصورة بدعوى أنها نوع من التشهير والإخلال بحقوق الموقوفين هو في الحقيقة نقاش لا يتلاءم أبدا مع حجم هذا الجرم الذي شغل الناس وأفزعهم في المغرب كله وليس في الدار البيضاء وحدها. نقصد هنا أن إثارة موضوع حقوق المعتقلين والموقوفين على خلفية القضايا الجنائية والجرمية لا بد أن يكون في سياقه الهادئ خارج الصخب الذي تخلفه مثل هذه الحوادث المفزعة للمجتمع وللمواطنين. وعلى أولئك الذين يريدون أن يخوضوا في المياه العكرة أن يدركوا أن ظهور هذه الصورة يؤكد أن المصالح الأمنية تيقنت بما لا يدع مجالا للشك من أننا أمام مجرمين متورطين وثبتت بالاعتراف والأدلة القطيعة وقوفهم وراء ما حدث.

صحيح أن المتهمين لهم الحق في الحفاظ على سرية هويتهم حتى تثبت إدانتهم قضائيا على الأقل، لكن لا يجب أن ننسى أن دولا ديمقراطية ومتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا تتردد في نشر صور المشبوهين أثناء مطاردتهم مثلا خصوصا عندما يكونون من ذوي السوابق، بل إن وسائل الإعلام في بعض الولايات الأمريكية تنشر هذه الصور من باب العقاب ضد هؤلاء المجرمين ولردع كل من يفكر في القيام بما ارتكبوه من حماقات، إذ يصبح الفضح هنا وسيلة من وسائل الزجر والردع القانونية. كان من الممكن نشر صور الموقوفين على خلفية أحداث البرنوصي بشريط أسود على العينين، لكن هل يعني وجود ذلك الشريط الرفيع أن سكان المنطقة على الأقل لا يمكن أن يتعرفوا عليهم؟

يجب جديا أن نعيد التفكير في مدى فعالية ما نعتبره نحن في المغرب التزامات حقوقية تجاه الأفراد والمؤسسات، لأنه على ما يبدو تتحول هذه الالتزامات إلى مقدسات لا يمكن التراجع عنها، بل أحيانا تصبح قيودا في أقدام المسؤولين والمؤسسات التي تريد أن تقوم بأدوارها لكنها تظل مكبلة بالخوف من ارتكاب الخطأ الحقوقي القاتل. يكفي أن نذكر في هذا السياق أن استعمال السلاح الوظيفي لرجال الأمن على سبيل المثال لا يزال في المغرب طابوها من الطابوهات التي تحتاج إلى المزيد من الصراحة والوضوح، حيث يضطر أحيانا رجال الأمن إلى الدخول في اشتباكات بالأيادي تفاديا لارتكاب المحظور على الرغم من هذا الاشتباك قد يهدد حياتهم وسلامتهم.

من هنا فإن تضخيم نشر صورة الموقوفين على هامش أحداث البرنوصي يجب ألّا يحجب عنا الحقيقة الساطعة وهي أننا في مجتمع يمكن أن تمثل فيه هذه النوعية من الشفافية وسيلة ردعية مناسبة لزجر كل من تسول له نفسه في ارتكاب أفعال جنائية خصوصا هذه التي تهدد حياة الناس وأرواحهم. وعلى ما يبدو يتناسى الغارقون في النقاشات الحقوقية السطحية أن الصور التي يتلقطها المواطنون البسطاء بهواتفهم في حالات السرقة بالتلبس أو الاعتداءات أو غيرها ساهمت إلى خد بعيد في إنقاذ الكثيرين والقبض على المجرمين الفارين. قد يصبح الخوف من الفضيحة في المستقبل واحدا من أهم وسائل الردع الاستباقية في مواجهة الجريمة بكل أشكالها وأنواعها.

زر الذهاب إلى الأعلى