أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: الجالية المغربية ثروة وطنية تسند الاقتصاد وتنتظر الإشراك

الدار/ افتتاحية

كيف يمكن للمغرب والمغاربة أن يشكروا نظرائهم من مغاربة العالم؟ عندما نتأمل الأرقام القياسية التي تسجلها التحويلات المالية للمغاربة المقيمين في الخارج في ظرفية الأزمة العالمية الاقتصادية والصحية ندرك جميعا بما لا يدع مجالا للشك أن للمغرب ثروة بشرية هائلة يمثلها هؤلاء الملايين من العمال المغاربة في الخارج. أكثر من 93 مليار درهم من هو حجم تحويلات مغاربة الخارج في سنة 2021. رغم الإكراهات الاقتصادية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا لم تتردد الجالية المغربية بالخارج في دعم الاقتصاد الوطني والتخفيف من آثار الجائحة على الأسر وإنعاش الدخل للآلاف من المغاربة الذين يعيشون بالاعتماد على هذه التحويلات.

كل الدول التي حققت تقدما اقتصاديا وصناعيا وسياسيا اعتمدت على “الدياسبورا” التي ترتبط بها في مختلف بقاع العالم. تاريخيا كان هذا هو الدور الذي لعبته الجالية الإيطالية في أوربا وأمريكا لمساعدة بلادها على النهوض بعد الحرب العالمية الثانية، وكان هذا هو الدور الذي لعبه الإيرلنديون من أجل إنقاذ بلدهم من الأزمات انطلاقا من الموقع الهام الذي يحتلونه في الهرم السكان للولايات المتحدة الأمريكية. كما تلعب الجالية المكسيكية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم دورا كبيرا في دعم الاقتصاد المكسيكي وإعانة العائلات والأسر الفقيرة هناك. والمغاربة يثبتون اليوم أنهم ليسوا أقل من غيرهم وأنهم دائما في الموعد من أجل دعم الاقتصاد الوطني وتعزيزه وسد الخصاص الذي تحدثه مثل هذه الأزمات العابرة.

لقد تفوقت التحويلات التي يقدمها المهاجرون على الكثير من مصادر الدخل الوطني وأصبحت تحتل مرتبة متقدمة جدا، لكن هذه الثروة التي تمثلها الجالية ليست مجرد يوروهات أو دولارات يتم تحويلها رأس كل شهر، إنهم أيضا كتلة اجتماعية وازنة وضاغطة في دول أوربا على الخصوص. الجالية المغربية في هولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا تحتل المرتبة الأولى من بين كل الجاليات العربية والإفريقية. وفي فرنسا تحتل الجالية المغربية أيضا المرتبة الثانية، بينما تحتل في ألمانيا مرتبة ثالثة من حيث الكثافة. واليوم نشاهد كيف يتغلغل أبناء جاليتنا من الجيل الثاني والثالث في مراكز القوى المؤثرة في السلطة والإعلام ومواقع المسؤولية بشكل يدعو إلى الاعتزاز والفخر.

ولعلّ الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه جاليتنا في الخارج على مستوى الترافع من أجل القضايا الوطنية وتقديم صورة واضحة ومغرية عن بلادنا من حيث فرص الاستثمار والسياحة والثقافة من أهم الأدوار التي تلعبها اليوم، وهي تمثل سفيرة لهذه الحضارة المغربية العريقة هناك في بلدان المهجر. لأجل ذلك يبدو أن الجهة 13 في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى نظرة حكومية جديدة مبنية على استراتيجية وتصور لاستغلال هذه الثروة بشكل يدعم المزيد من النماء والتطور، ويعزز فرصنا في التحول إلى قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة. الجالية المغربية لا تنتظر منا فقط الشكر والامتنان، وهذا حقها، بل تنتظر من السلطات والحكومة والأحزاب المبادرة إلى وضع خطط واضحة لتعزيز دورها في الحياة السياسية للمغرب.

لا يمكن أن نتصور الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بعد أربع أو خمس سنوات دون مشاركة أفراد الجالية العزيزة، تصويتا وترشيحا ومشاركة. هذا الحق لم يعد قابلا للتأجيل، إذ لا يُعقل أن نقبل من هذه الشريحة المخلصة من المغاربة مساهماتها المالية والاقتصادية ونتجاهل صوتها ورأيها في مجال التدبير والتشريع والمراقبة. جاليتنا المغربية حصن حصين اليوم يدافع بإخلاص عن كل القيم المشتركة التي ننتمي ومستعد لتقديم الغالي والنفيس من أجل الوطن، ومن أجل ذلك لا بد بالمقابل أن من التفكير في تطوير آليات إدماجها في المشاركة في شؤون البلاد وكذا في طرق مبتكرة من خارج الصندوق من أجل أن تلعب دورها المؤثر كسفير للثقافة المغربية وككتلة أكثر ضغطا وأثرا على صناع القرار في أوربا وغيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى