افتتاحية الدار: بعد الأزمة مع ألمانيا وإسبانيا..الاتحاد الأوربي لا يستغني عن المغرب والشراكة ستبقى استراتيجية

الدار/ افتتاحية
ما عبّر عنه رئيس الحكومة عزيز أخنوش اليوم من إرادة لتقوية الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوربي يعتبر موقفا دبلوماسيا غاية في الأهمية وله امتدادات على المدى المتوسط والبعيد. كما أن زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للمغرب في هذه الظرفية وإجراءها لمحادثات مع رئيس الحكومة يُعدّ أيضا إشارة أخرى لا تقل أهمية من الطرف الأوربي الذي يدرك جيدا أن لا مناص من تعزيز الشراكة مع المغرب بوابة الاتحاد نحو إفريقيا بامتياز. إننا على مشارف الخروج من تداعيات جائحة فيروس كورونا ويبدو أن آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين أضحت واعدة أكثر من أي وقت مضى.
لكن من المؤكد أولا أن هذه الزيارة وهذا اللقاء كان ضروريا لزيادة منسوب الثقة بين الطرفين بعد كل الأزمات التي عاشتها علاقات المغرب مع عدد من البلدان الرئيسية في الاتحاد الأوربي. تكاد الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا تشارف على الانتهاء خصوصا بعد إقرار الحكومة الألمانية الجديدة بأخطاء سابقتها تجاه المغرب وإعرابها عن ضرورة عودة التعاون بين البلدين. كما أن العلاقات المغربية الإسبانية التي لا تزال تعيش مخاض إعادة البناء على أسس جديدة تقترب من الخروج من أزمتها لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين. ولا شك أن الاتحاد الأوربي كتكتّل سياسي واقتصادي كبير يهمه أن تعود العلاقات بين كل هذه الحكومات وبين المغرب إلى سابق حالتها بالنظر إلى كل الملفات والمصالح الثنائية التي يعتبر الاتحاد مموّلا لها ومستفيدا من نتائجها.
بين المغرب وألمانيا على سبيل المثال مشروع استثماري ضخم لإنتاج الهيدروجين الأخضر يمكن أن يمثل ثورة إنتاجية تدعم الاستقلالية الطاقية للاتحاد الأوربي ولذلك فإن ما تفرضه بروكسيل من استراتيجيات وتوجيهات على الدول الأعضاء لا بد أنه يساهم في حلحلة مثل هذه الأزمات الثنائية ويفرض عليها البحث عن حلول مشتركة للخروج من هذه الوضعية التي لا تخدم لا المغرب ولا شركاءه الأوربيين. ولعلّ دعم مشاريع الطاقة الخضراء يعدّ واحدا من ملفات التعاون المشتركة التي تدفع الاتحاد الأوربي إلى البحث عن حلول سريعة لهذه الخلافات وهذا واضح من الغلاف المالي الذي أعلنت عنه أورسولا فون دير لاين والذي سيخصص للاستثمار في هذا المجال بالمغرب ووصل إلى 1.6 مليار أورو.
الإعلان عن برنامج استثماري ضخم كهذا وتخصيصه فقط لمجال الطاقة الخضراء لا يمكن إلا أن يساهم في عودة بعض الدول الأوربية التي كانت تفكّر في معاكسة المغرب والحد من نموه الطبيعي إلى رشدها وعلى رأسها ألمانيا. هذا التحدي الذي عبّرت عنه الحكومة الألمانية السابقة برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل كان خطأ فادحا تجاه بلد يعتبر شريكا استراتيجيا للاتحاد مند زمن طويل، ويمثل منجما للفرص الاقتصادية المشتركة ودعامة رئيسية لاستقرار الاتحاد الأوربي ومواجهة معضلات الألفية الثالثة خصوصا في القارة السمراء. بالنظر إلى كل هذه الرهانات والموقع الذي يحتله المغرب جغرافيا وجيواستراتيجيا فإن ما كانت بعض البلدان الأوربية تسعى لإثارته من خلافات يعتبر محض جنون.
لن نبالغ إذن إذا قلنا إن رئيسة المفوضية الأوربية جاءت إلى الرباط محمّلة بكل مشاريع الاستثمار لتعبّر عن صوت الحكمة والتعقّل في الاتحاد الأوربي الذي يبقى مستعدا للثقة في الاقتصاد المغربي وحكومته ومؤسساته لضخ استثمارات بالملايير على الرغم من ظرفية الأزمة الوبائية التي لا تزال تضغط على الكثير من بلدان الشمال. ولعلّ الوعد الذي قدمه رئيس الحكومة لتقوية الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوربي يعتبر في حد ذاته إشارة ذكية على أن المغرب خرج من مواجهته الدبلوماسية مع بعض الحكومات الأوربية منتصرا ويريد اليوم أن يفرض شروطه وقواعد تعامله الجديدة القائمة بالأساس على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.