سلايدرمال وأعمال

افتتاحية الدار: مؤشرات انخفاض أسعار البترول تتزايد..هل تتراجع أسعار المحروقات في المغرب مع زيادة إنتاج أوبك وضغوط أمريكا؟

الدار/ افتتاحية

أصبحت المخاوف من احتمال ارتفاع أسعار النفط فوق سقف 100 دولار للبرميل الواحد أكثر جدية وتأثيرًا على الأسواق. وبينما يتأكد استمرار الارتفاع المضطرد الذي عرفته الأسعار منذ بداية السنة بانتقالها من 40 دولار إلى 60 قبل أن تصل إلى سعر 92 دولارا في بداية هذا الأسبوع، لا تزال الآمال الدولية معقودة على بعض القرارات الاستراتيجية التي يمكن أن تتخذها الدول المنتجة للبترول من أجل تخفيض الأسعار والمساهمة في تخفيف أزمة الاقتصاد العالمي، خصوصا مع بلوغ تأثير الأسعار اقتصادات كبرى كالاقتصاد الأمريكي الذي بدأ بدوره يئن تحت وطأة ارتفاع الفاتورة الطاقية. هذه الأجواء الدولية المشوبة بالكثير من المخاوف تتحول عندنا في المغرب أحيانا إلى قضية محلية في نظر الكثيرين بينما هي في الأصل قضية دولية لا تستطيع ثلاثة أرباع دول العالم التحكم في نتائجها.

ولعلّ المستهلك المغربي الذي يعاني بدوره هذه الأيام من غلاء أسعار المحروقات عند ملئ خزان سيارته أو وسيلة النقل التي يستعملها لا يستحضر دائما تحت وابل التضليل الذي يروج اليوم هذه المعطيات الدولية التي يعمّ تأثيرها كل بلدان العالم باستثناء الدول المنتجة للنفط والتي تعتبر أكثر المستفيدين من هذا الارتفاع. وبعد أن تجاوز سعر الغازوال 10 دراهم وسعر البنزين 12 درهما في المغرب تبدو الأزمة في نظر الكثيرين من متابعي الشأن العام وكأنها مغربية صرفة، والحال أن الأنين تحت وطأة ارتفاع أسعار المحروقات يشمل جلّ بلدان العالم، بما في ذلك الدول الغربية الصناعية التي تعتبر أكبر مستهلك لمصادر الطاقة في العالم.

ولا بد هنا من استحضار أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، فهذه الأسباب تخفي وراءها سببا أولًا يعد مؤشرا إيجابيا ويتمثل في عودة النشاط الاقتصادي بعد التعافي الجزئي من جائحة “كورونا” في أغلب بلدان العالم مما أدّى إلى زيادة الطلب على النفط. كما ساهم تخفيف قيود السفر أيضًا في هذا الارتفاع، إضافة إلى سبب ثالث يتمثل في التوقعات بنقص المعروض من النفط والغاز في الأشهر المقبلة، إثر الانقطاعات المفاجأة في إنتاج النفط في ليبيا وكازاخستان والاكوادور. ولا يستبعد الخبراء مساهمة بعض بؤر التوتر في ارتفاع أثمنة المحروقات، من بينها تصاعد التوتر بين روسيا (واحدة من كبار منتجي النفط والغاز) من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من جهة أخرى، بسبب الوضع في شرق أوكرانيا، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتدهور الأوضاع في ليبيا.

على المتابع والمستهلك المغربي أن يعي إذن أن ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب ليس سوى جزء من مشهد ارتفاعها عبر العالم وأن ذلك ناتج عن زيادة أسعار النفط في الأسواق الدولية. لكن هل هذا الارتفاع سيستمر أم أن هناك احتمالات لعودة الأسعار إلى الانخفاض وبالتالي تراجع أسعار المحروقات محليا في المغرب؟ هناك خبر سار بهذا الخصوص، ويفيد أن الدول الـ 23 المنتجة للنفط، والتي تسيطر على معظم إمدادات النفط الخام في العالم، تخطط لطرح 400 ألف برميل إضافية يوميا في السوق، مع حلول شهر مارس المقبل، وسط دعوات متكررة من البيت الأبيض لإنتاج المزيد من النفط، من أجل الموازنة بين العرض والطلب، ومن تم خفض الأسعار.

وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك أقوى اقتصاد في العالم تشتكي بدورها من ارتفاع أثمنة النفط عالميا فهذا يعني أنها قد تمارس في أقرب الأوقات ضغوطا كافية لعودة زيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار. كما أنها بدأت تخطط كذلك لاستئناف إنتاج النفط الصخري، وبيع جزء من الاحتياطيات الاستراتيجية، وتعول في المقابل على استجابة منظمة “أوبيك” لطلبها بزيادة الانتاج، أملا في أن تعود الأسعار إلى معدّلها المعتاد.

هناك إذن مؤشرات عديدة إيجابية عن قرب انفراج أزمة الطاقة في العالم وعودة الأسعار إلى مستويات معقولة لإخراج الاقتصاد العالمي من الأزمة التي يعيشها بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا وكذا للحد من التضخم الذي تعيشه أغلب البلدان بسبب اختلالات سلاسل الإنتاج والتزويد. وبما أن الاقتصاد الوطني يعتبر واحدا من بين الاقتصادات المعوّلة على استيراد احتياجاتها النفطية فإن هذا الانخفاض المرتقب ستكون له انعكاسات جد إيجابية ليس فقط على أسعار المحروقات بل على أسعار كل المنتجات الأخرى التي تتأثر بدورها بمجرد أن يعرف السوق العالمي ارتفاعا في أسعار النفط.

ولعلّ هذه الأزمة الظرفية تترك أيضا أثرا آخر على مستوى إيجاد حلول بنيوية لمشكلة التزود بالطاقة من خلال المزيد من الاستثمارات في الطاقات المتجددة والبديلة، وتشجيع عمليات التنقيب عن الغاز والنفط الصخري خصوصا بعد ظهور نقاط تنقيب مبشرة. لكن على العموم فإن ما يدور من نقاش حول ارتفاع أسعار المحروقات في المغرب لا يجب أن يخرج عن دائرة مراقبة ما يجري في الأسواق الدولية، خصوصا إذا علمنا أن حجم الزيادة في سعر البرميل الذي انتقل من 40 دولارا في بداية العام إلى أكثر من 90 دولارا هذا الأسبوع لا يوازيه أبدا حجم الزيادة التي عرفتها أسعار المحروقات في بلادنا. فهل تلجأ الحكومة إلى تسقيف الأسعار في انتظار الانخفاض المرتقب؟

زر الذهاب إلى الأعلى