أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: مليلية وسبتة مدخل لإنهاء آفة الهجرة السرية

الدار/ افتتاحية

في الوقت الذي يقدم فيه المغرب النموذج الحي على معنى التطبيق العملي للشراكة الجديدة مع المملكة الإسبانية لا تزال هناك أطراف في مدريد تبحث عن التعاطي مع القضايا التي تهمّ بلادنا بمنطق استعماري متجاوز. يوم الجمعة الماضية أصيب عدد كبير من أفراد قوات الأمن على مشارف مدينة مليلية المحتلة وهم يحاولون منع مئات المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء من اقتحام المدينة السليبة في إطار تأمينها من موجات الهجرة السرية الجارفة التي تهدد إسبانيا وأوربا عموما. واعترف رئيس الحكومة الإسباني عقب هذا الحادث المأساوي الذي قضى فيه عدد كبير من المهاجرين السريين أن المغرب يواجه مافيات دولية متخصصة في التهجير وتنظيم عمليات الاقتحام الجماعية بشكل متزامن.

لم يُثر هذا الحادث وغيره من الحوادث التي يدفع المغرب ثمنها من أرواح وأموال أبنائه نقاشا حول ضرورة تحمّل الاتحاد الأوربي لمسؤولياته التاريخية تجاه موجات الهجرة السرية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء، بل لم يجد لدى بعض الأطراف السياسية في إسبانيا من صدى إلا تلك المقاربة الأمنية المتجاوزة التي كانوا يحلمون بها منذ زمن. ولم يتردد حزب فوكس المتطرف على سبيل المثال في العودة إلى مقترح قديم يتعلق بضرورة تعميم حماية حلف شمال الأطلسي الناتو لتشمل كلا من ثغري سبتة ومليلية المحتلين. لم يفكر هؤلاء في السبب الحقيقي الذي يضع إسبانيا على سكة المطامع الإفريقية للهجرة، ألا وهو مشكلة الاحتفاظ بثغرين مستعمرين علما أنهما جزء لا يتجزأ من التراب المغربي.

لقد كان أولى بحزب فوكس وقياداته ونخبه التفكير في أن الوقت قد حان من أجل التصفية النهائية للاستعمار في مليلية وسبتة، وهذا الاستقلال هو الذي سيكون بمثابة نهاية بلا رجعة لتعرّض إسبانيا ومن ورائها أوربا لموجات الهجرة السرية التي أضحت بفعل الأزمات الاقتصادية وتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد في تزايد متواصل وبشكل حاد. عودة هذين الثغرين إلى السيادة المغربية والإفريقية سينهي كل الطموحات والأطماع التي تراود ملايين الشباب الأفارقة في بلدان جنوب الصحراء بأن هناك أملا في الوصول إلى الضفة الشمالية برا دونما حاجة إلى خوض مخاطر البحر ومغامراته. إن استمرار وضع الاحتلال هو الذي يجعل إسبانيا نقطة استقطاب لهؤلاء الشباب ويحوّل المغرب أيضا رغما عنه إلى بلد عبور يضطر إلى تدبير حالة من الفوضى البشرية في ظل تنصّل كل الجيران وعلى رأسهم الجزائر من مسؤولياتها تجاه هؤلاء المهاجرين السريين.

إن المقاربة الأمنية التي يلهث وراءها قياديو حزب فوكس وغيرهم من صقور اليمين المتطرف في إسبانيا ويعتبرونها حلا سحريا لكل المشكلات التي تهم علاقتهم بالمغرب أضحت متجاوزة، وبيّنت بالملموس على مدى سنوات أنها لم تحلّ معضلة الهجرة السرية الوافدة من إفريقيا جنوب الصحراء على الرغم من كل الجهود التي يبذلها المغرب أمنيا وماديا. لقد رأت مدريد في الأعوام الثلاثين الماضية كيف تمكنت جزر صغيرة ومدن أصغر في العالم بحجم هونغ كونغ أو ماكاو من استرجاع استقلالها وفق مقاربة سلمية وسياسية في صالح جميع الأطراف سواء تعلّق الأمر بسلطة الاحتلال أو سلطة البلد المحتل. ولم تطالب هذه القوى الاستعمارية في عصر العولمة بحماية عسكرية من أحلاف دولية، وإنما اقتنعت بأن واقع العالم يتغير وأن من بين مظاهر هذا التغيّر عودة الحقوق إلى أصحابها.

إن المرحلة القادمة من العلاقات المغربية الإسبانية تستدعي من النقاش العمومي في إسبانيا أن يرتقي إلى تحديات الحقبة التي يعيشها العالم حيث التكتّلات والشراكات البينية توظّف بكثافة وذكاء لتجاوز مشكلات العصر سواء تعلق الأمر بالأخطار المناخية أو الأمنية أو السياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى