افتتاحية الدار: المغرب يفتخر بسيادته في تدبير الكوارث.. جهود مغربية خالصة تطوق حرائق العرائش وتعزز الخبرات الوطنية

الدار/ افتتاحية
بينما تتواصل الجهود وعمليات التدخل لإخماد حرائق إقليم العرائش نجحت قوات التدخل والوقاية المدنية بتضافر جهود القوات الجوية والسلطات المحلية في إخماد حرائق العرائش بعد ستة أيام من اندلاعها. هذه الحرائق التي تعتبر الأسوأ منذ عقود في غابات المغرب كشفت من جديد أن المؤسسات المغربية الأمنية والوقائية والعسكرية تمتلك من التأهيل والكفاءة ما يجعل بلادنا تتمتع بسيادة كاملة لتدبير أزماتها والكوارث التي تصيبها بشكل مستقل وذاتي دونما حاجة للاستعانة بالخارج أو التوسل للحصول على إمدادات دولية أو إقليمية. وفي طيات هذا الحدث الكثير من الدروس التي يجب الوقوف عندها لاستخلاص عبرها والانطلاق منها نحو تعزيز أدوار المؤسسات الوطنية في مختلف المجالات.
أهمية هذا النجاح لا تكمن فقط في كونه مدعاة للفخر لنا جميعا كمغاربة لأننا نجد مؤسسات ناجعة وفعالة نلجأ إليها ونحتمي بها خلال الأزمات والكوارث. وإنما تكمن أهميته أيضا في أنه يمثّل مختبرا حقيقيا للإرادة الوطنية نحو تجويد عمل المؤسسات بمختلف تخصصاتها وإبراز القدرات المغربية على تجاوز كل التحديات، والأهم من هذا وذاك ممارسة السيادة الوطنية في أبهى وأروع تجلياتها. في الماضي كان المغرب كغيره من البلدان التي تعاني من التخلف والفقر يواجه صعوبات كبيرة في احتواء الكوارث سواء من حيث التخطيط أو العدة أو المؤهلات البشرية، وكنا نجد أنفسنا كلما حلّت بنا كارثة طبيعية أمام مآسي إنسانية حقيقية. كلنا نذكر قبل أكثر من عقدين من الزمن هول الكارثة التي راح ضحيتها المئات من المصطافين في وديان منطقة أوريكا بنواحي مراكش عندما حدث فيضان مفاجئ للوادي وجرف معه العشرات من الأسر والسيارات والأفراد.
لكن هذه التجربة المريرة كانت بمثابة إنذار دفع السلطات إلى التقاط الإشارة وإرساء نظام للإنذار المبكر ضد الفيضانات في مختلف المناطق المهددة بهذا النوع من الكوارث في المضايق والفجاج والوديان وفي سفوح الجبال الكبرى. وقد أثبت هذا النظام نجاعته في حماية المواطنين من أي مفاجآت من هذا القبيل. واليوم ها نحن ذا نشاهد نجاحا مغربيا آخر في التصدي للحرائق التي تلتهم الغابات في المناطق الشمالية. ففي الوقت الذي تواصل فيه السلطات الإسبانية والبرتغالية والفرنسية إخماد النيران المشتعلة في غاباتها يتمكن أفراد الحماية المدنية والجيش والدرك الملكي والسلطات العمومية في ظرف ستة أيام من تطويق الحريق الهائل الذي التهم أكثر من 7 آلاف هكتار بمنطقة العرائش، وأهم شيء في هذا الإنجاز هو الخروج بصفر خسائر بشرية، في الوقت الذي أدى فيه حريق مشابه العام الماضي في غابات الجزائر إلى مقتل أكثر من 69 شخصا بسبب انعدام التجهيزات وعلى رأسها الطائرات المتخصصة في إخماد الحرائق. لقد كانت مأساة غابات تيزي وزو عنوانا صريحا لفشل دولة وعجز نظام عن توفير الحد الأدنى من الحماية لمواطنيه ورعاياه.
لقد اضطرت السلطات الجزائرية إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية في الوقت الذي بلغت فيه هذه الحرائق مراحل متقدمة، ولم يكن العجز نابعا فقط من غياب المعدات بل أيضا من انعدام الخبرة وسوء التخطيط. واليوم هذا ما يدعونا نحن في المغرب إلى الاطمئنان. إن من يقارب موضوع الحرائق اليوم في المغرب هو مصلحة داخل مؤسسة كبيرة تسمى المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية التي تعتبر فرعا من الوكالة الوطنية للمياه والغابات. كما أن العمل الميداني أشرفت عليه عناصر مؤسسات أخرى لا تقل احترافية ومهنية كمصالح الوقاية المدنية والقوات الجوية الملكية والدرك الملكي وغيرها. هل كان من الممكن خلق هذا التداؤب والانسجام والفعالية بين مختلف هذه المصالح والمؤسسات في غياب تخطيط دقيق للإحاطة بهذه الحرائق؟ من الأكيد أن الجواب هو: لا. فالتخطيط كان له الكلمة العليا في الوقت الذي كان فيه بعض المغرضين ينتظرون أن تعجز القدرات الوطنية عن التصدي لهذه الحرائق، بل كان منهم من ينتظر تفاقم الخسائر وربما تسجيل خسائر بشرية لتصريف أحقاده النابعة من فشله القديم والجديد. لكن الخيبة كانت هي ما جناه هؤلاء، وانتقلت الحرائق إلى قلوب المغرضين تلتهمها ولا عزاء لهم في ذلك.