سلايدر

حكومة أخنوش تواصل ترسيخ مفهوم الدولة الاجتماعية

الدار/ تحليل

الرفع الفوري للحد الأدنى من الأجور في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات والمهن الحرة ليصل إلى 3500 درهم شهريا يمثل خطوة عملاقة في مسلسل تنزيل الحكومة للوعود والبرامج التي أقرتها منذ تنصيبها قبل سنة تقريبا. هذا الإجراء ذو البعد الاجتماعي الخالص والذي سيحسن من الظروف الاجتماعية للعمال والعاملات ويرفع من مستوى الدخل، سيمثل أيضا فرصة لأرباب العمل من أجل الاستثمار في تطوير أداء الموارد البشرية التي تحتاج إلى التحفيز من أجل الرفع من وتيرة الإنتاج وجودته. هذه الزيادة التي ستنفذ على مرحلتين بنسبة 5 في المائة تعتبر في السياق السياسي الحالي عنوانا لمرحلة جديدة من عمل الحكومة.

لقد خرج الاتفاق الاجتماعي التاريخي الذي تم توقيعه في 30 أبريل الماضي إلى حيز التنفيذ، وإذا كانت البداية بالرفع الفوري للحد الأدنى للأجور بنسبة 5 في المائة، فإن الالتزامات العديدة التي يتضمنها الاتفاق وتشمل التعويضات الاجتماعية والعائلية وزيادة الأجور وحذف السلم 7 وتخفيض شروط الاستفادة من معاش الشيخوخة وغيرها ليست سوى تعبيرا عن فلسفة الدولة الاجتماعية التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس في سياق تدبير جائحة فيروس كورونا المستجد، عندما اتخذت السلطات العديد من الإجراءات للاستجابة لانتظارات المواطنين تحت ظرفية الأزمة. ولعلّ ما ميّز حكومة أخنوش منذ تنصيبها هو حرصها على استثمار هذا المفهوم والذهاب به إلى أبعد مدى.

ولعلّ الظرفية الاجتماعية التي أفرزتها جائحة فيروس كورونا المستجد كانت سياقا مناسبا لهذه الحكومة من أجل تعميق أسس هذه الدولة الاجتماعية، التي تعلن عن التكفّل بمواطنيها والتزامها بتوفير الخدمات الاجتماعية العمومية الأساسية كالتعليم والتطبيب لعموم المواطنين مع الحرص على تجويد هذه الخدمات، بعيدا عن الخطاب الديماغوجي الذي كان يروّج خلال ولاية الحكومتين السابقتين ويتحدث عن رفع الدولة يدها عن هذه القطاعات، وعن أن البديل هو لجوء عموم المغاربة إلى القطاع الخاص المؤدى عنه من أجل ضمان تعليم أبنائهم أو علاج مرضاهم. وما تنفذه الحكومة اليوم في مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية التي ستشمل الملايين من المغاربة يؤكد أن ذلك الخطاب كان ملزما لأصحابه فقط من بعض المسؤولين والوزراء الذين كانوا يعتقدون أن في تخفيف أعباء الدولة تودّد إليها.

والحقيقة أن الدولة المغربية لم تعبّر أبدا عن تأفّفها من أداء أدوارها الاجتماعية وتحمل تكاليف تعليم وتطبيب المغاربة. وقد عبّر جلالة الملك محمد السادس عن ذلك صراحة في سياق جائحة فيروس كورونا المستجد عندما أعلن للمغاربة أن الرعاية الصحية التي يوفرها لأبنائه وأسرته هي نفسها التي يحرص على توفيرها للعموم من رعاياه. إذا أضفنا إذن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والصحية إلى بند الزيادة في التعويضات العائلية ثم إلى التزام الرفع من الحد الأدنى للأجور إضافة إلى التزامات تفصيلية أخرى، يظهر لنا بجلاء أن مفهوم الدولة الاجتماعية ليس مجرد شعار، بل هو ضرورة مرحلة يريد فيها المغرب أن يعمّم على أبنائه حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية حسب ما توفّر من موارد ومقدّرات. لا يجب أن ننسى هنا أن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وحده سيكلف سنويا أكثر من 50 مليار درهم على مدى ثلاث سنوات.

ويحقّ في هذا السياق لحكومة عزيز أخنوش، التي تواجه إكراهات ظرفية غير متوقعة كارتفاع أسعار النفط واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أن تعتز بما نفذته من برنامجها الاجتماعي في أقل من سنة واحدة. ومن المؤكد أن في طيات هذه الدينامية المتسارعة لتنزيل هذه الالتزامات رسالة أخرى لباقي الفئات الاجتماعية التي تنتظر تنفيذ بعض الوعود والبرامج الأخرى المعلنة خلال الحملة الانتخابية. أمام الحكومة أربع سنوات إضافية وهي قادرة بهذه الوتيرة التي تعمل بها اليوم وهذا الالتزام السياسي الذي عبّرت عنه على الوفاء بكل هذه الوعود حسب ما ستسمح به الأجندة التشريعية والتنفيذية. إنها مسألة جدولة زمنية فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى