
الدار/ افتتاحية
عندما تحدّى أسود الأطلس المنتخب الإسباني في كأس العالم روسيا 2018 وكادوا يلحقون به هزيمة تاريخية، كان عناصر منتخبنا الوطني في بداية مشوارهم الكروي، تغلب عليهم حماسة الشباب وطاقة الفتوة، بينما كان المنتخب الإسباني حينها متخما بالخبرة والتجربة بعناصر من قبيل راموس وإنييستا وكوستا. واليوم تشاء أقدار الكرة أن تنقلب الآية ويقف منتخب مغربي راكَم خبرة كبيرة أمام منتخب إسباني شاب في موقعة الثلاثاء بملعب المدينة التعليمية ليخطّ من جديد تاريخا للمغاربة والعرب في سجلّ بطولة كأس العالم التي تقام لأول مرة على أرض عربية.
وبعد أن تساقطت الفرق العربية والإفريقية تباعا في منافسات كأس العالم بالدور الأول والثاني، تتعاظم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق أسود الأطلس المطالبين اليوم بلعب مباراة لا تُنسى يؤكدون فيها أن إنجاز التأهل إلى الدور الثاني وتصدّر مجموعتهم لم يكن مجرد مصادفة، بل كان نتيجة منطقية وطبيعية لانسجام اجتهاد إطار وطني شاب وموهبة لاعبين يحملون القميص الوطني بروح عالية من الانتماء والولاء للراية المغربية. نخبة صنعت منذ بداية المونديال أفراحا مغربية وعربية وأحيت ذكريات انتصارات 1986 عندما تألق رفاق التيمومي أمام كبار القارة الأوربية. واليوم لن يتخلّف رفاق زياش عن الموعد لكي يقدموا للجمهور الذي يتابعهم بالملايين من المحيط إلى الخليج أملا جديدا في إمكانية كسر سقف ثمن النهاية.
المنتخب الوطني استطاع أن يسترجع بسرعة لياقته بعد مباراة كندا بفضل جهود الطاقم التقني والطبي المرافق الذي يمتلك ما يكفي من الخبرة لمواجهة حالات الإرهاق والإصابات. كما أن روح الالتزام والتفاؤل العالية لا تزال تسري بين صفوف اللاعبين الذين حافظوا على نسق تصاعدي على مستوى الأداء طيلة المباريات الثلاث الماضية. وإلى جانب ذلك يثق الجمهور المغربي في القراءة التكتيكية التي سيقوم بها الناخب الوطني وليد الركراكي للمنتخب الإسباني الذي دبّر مباريات الدور الأول بقدر كبير من الذكاء، لكنه في الوقت نفسه أضحى كتابا مفتوحا أمام كل المحللين والمراقبين بعد أن لعب ثلاث مباريات بإيقاعات مختلفة وتشكيلات متنوعة أبرز فيها جلّ مؤهلاته.
هذا لا يعني أن المنتخب الإسباني يعتبر خصما سهلا أو في المتناول. ولن يفكر وليد الركراكي ولا لاعبو المنتخب بهذا المنطق. إن أهم ما يميّز النخبة الوطنية الحالية هي الحسّ الاحترافي الكبير الذي يتمتع به اللاعبون، ويجعلهم باستمرار قادرين على تقدير خصومهم تقديرا جيدا بدلا من الوقوع في فخ استصغاره أو التقليل من شأنه. هناك ثلاثة لاعبين سيقع على عاتقهم غدا ثقل المباراة الكبيرة فحكيمي ومزراوي مُطالبان بوقف فوَران أجنحة المنتخب الإسباني، بينما سيكون على اللاعب سفيان أمرابط أن يخوض مرة أخرى مباراة للتاريخ كالتي خاضها شقيقها قبل أربع سنوات في روسيا عندما استطاع أن يعطل تشكيلة وسط الميدان الإسباني.
وفي ظل وجود نجمي نادي إشبيلية الإسباني حارس المرمى ياسين بونو والمهاجم يوسف النصيري تصبح الألفة مع لاعبي المنتخب الإسباني جزء من هذا الرصيد الذي يمتلكه نجوم أسود الأطلس القادرين على مقارعة الكبار أيا كان مستواهم وأيا كانت الأندية التي جاؤوا منها. يوسف النصيري الذي استرجع ثقته الكبيرة بمؤهلاته في المباراة الأخيرة أمام كندا يبدو اليوم جاهزا لتفجير كل طاقاته وإرهاق المدافعين الإسبان الذين يعرفهم جيدا، وسبق أن اقتحم مرماهم في مناسبات عديدة. ولن نبالغ إذا عقدنا كل الآمال على هذا اللاعب الموهوب، خريج أكاديمية محمد السادس، الذي أثبت بالملموس أنه ذو شخصية قوية قادرة على الانبعاث حتى في ظل زوبعة من الانتقادات.
لم ينس الجمهور المغربي أبدا الهدف التاريخي الذي سجّله النصيري على المنتخب الإسباني بارتقاء خارق في مونديال روسيا 2018، وسينتظر الشعب المغربي من هذا الهدّاف أن يثبت جدارته بالرقم التاريخي الذي جعل منه أول لاعب مغربي يسجل في نسختين مختلفتين من كأس العالم. بين المغرب وإسبانيا الكثير من المشتركات والحسابات، وبينهما أيضا تاريخ عريض من المواجهات، وعلى الرغم من أن مباراة اليوم ستبقى في جميع الأحوال مقابلة في كرة القدم لا أكثر ولا أقل، إلا أنها أضحت تتحوّل بمرور المناسبات الكروية الدولية إلى ديربي يمكن أن يكون جديرا باسم الديربي الأندلسي المغربي. اليوم في الساعة الرابعة سيقف الملايين وراء أسود الأطلس في هذه الموقعة التي قد تضع المغرب ولأول مرة بين الثمانية الكبار في العالم.