العلاقات المغربية الإماراتية تزداد متانة من السياسة الى الأمن مرورا بالاقتصاد والاستثمار
الدار- خاص
تعرف العلاقات بين المغرب والإمارات، زخما كبيرا في مجالات شتى، منذ انطلاقها سنة 1972، تسير اليوم بثقة وإيجابية نحو مستقبل يسوده التعاون والشراكة الإستراتيجية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية والقضائية تحت قيادة البلدين.
سياسيا، يواصل جلالة الملك محمد السادس، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مسلسل بناء وترسيخ وتوطيد هذه العلاقات الإماراتية المغربية، بخطى حثيثة نحو الارتقاء والتطور، حيث تتأسس العلاقات السياسية بين البلدين الشقيقين على تعزيز التشاور والتنسيق السياسي إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك وفي المحافل الدولية.
وفي هذا الإطار، دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة على مساندة المغرب في كل قضاياه، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، وذلك داخل منظمة الأمم المتحدة وفي إطار الشراكات الجهوية، كما أن المغرب يدعم موقف دولة الإمارات العربية المتحدة في موقفها بشأن احتلال إيران للجزر الثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
على الصعيد الاقتصادي، و في سياق تعزيز التشاور الثنائي بين الرباط و أبوظبي، تم إرساء عدد من الآليات المهمة، مثل اللجنة العليا المشتركة المنشئة بموجب اتفاق سنة 1985، التي عقدت دورتها الخامسة للجنة العليا المشتركة ماي 2018 في ابوظبي برئاسة وزيري خارجية البلدين، كما عقدت في شهر نونبر 2019، الدورة الثانية للجنة القنصلية بالرباط.
و بلغت القيمة الإجمالية للصادرات المغربية نحو الإمارات العربية المتحدة بلغت حوالي 1.2 مليار درهم في عام 2021، في حين بلغت الواردات ما مجموعه 9.2 ملايير درهم خلال نفس السنة .
العمل القاعدي، الذي تم ارساؤه على الصعيد السياسي كانت له نتائج إيجابية على حجم الاستثمارات، و تُعتبرُ دولة الإمارات شريكاً طبيعياً في الفرص الواعدة التي يوفرها المغرب، حيث تتصدر المركز الأول من حيث حجم الاستثمارات العربية في المغرب منذ عام 1976، وتجاوزت استثماراتها في المملكة ما يزيد على 20 مليار درهم إماراتي في قطاعات استراتيجية كثيرة، من ضمنها الطاقة، والمعادن، والبنية التحتية والاتصالات والسياحة، والعقار، والزراعة، والخدمات.
ووفقا للمعطيات التي قدمها الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، الذي قام بزيارة رسمية للمغرب، شهر مارس 2022، بلغ حجم التبادل التجاري بين المغرب والامارات في المنتجات غير النفطية، في عام 2020، ما يقرب 2.2 مليار درهم إماراتي، وساهم صندوق أبوظبي للتنمية في تمويل 82 مشروعاً تنموياً في المغرب بقيمة بلغت حوالي 2.45 مليار دولار.
ويتطلع المغرب والامارات، الى شراكة استراتيجية في مجال التحول في قطاع الطاقة، وتعزيز فرص الاستثمار في الطاقة التقليدية، والغاز المسال، ومحطات التوزيع، ومشاريع الطاقة المتجددة، وغيرها من المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستدام.
على مستوى الاستثمارات العربية في المغرب، تحتل الامارات المرتبة الأولى، والمرتبة الثالثة على صعيد مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث يبلغ عدد الشركات الإماراتية المستثمرة في السوق المغربية أكثر من 30 شركة، علما أن هناك جهود مغربية-إماراتية لمضاعفة حجم الاستثمارات الإماراتية في المملكة خلال السنوات المقبلة، والرقي بالتبادل التجاري والاستثماري بين البلدين الى مستويات أعلى، ونسج شراكات مثمرة بينهما.
وتعد “مجموعة الإمارات للاتصالات” و”دبي القابضة”، و”مجموعة شرف”، و”مجموعة بن حم”، و”شركة أبوظبي الوطنية للطاقة” و”الشركة المغربية الإماراتية للتنمية”، و”صندوق أبوظبي للتنمية”، و”إعمار العقارية”، و”شركة القدرة القابضة” و”طيران الإمارات” و”الاتحاد” و”العربية” وشركة “الظاهرة” من أبرز الشركات الإماراتية الحاضرة في المغرب.
هذا التعاون الاقتصادي المتميز بين المغرب والإمارات، ليس سوى، انعكاس واضح لقوة ومتانة العلاقات التي تجمع بين البلدين، كما أن مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين كانت تقتصر في بدايتها على قطاعات محدودة مثل السياحة والعقار، قبل أن تتسع لتشمل مجالات أوسع، مع تركيز الجهود على جذب المستثمرين الإماراتيين، وتوجيه اهتمامهم نحو قطاعات أخرى كالطاقات المتجددة، والاقتصاد الأزرق و الذي يشمل تهيئة وتجهيز الموانئ بالنظر للتجربة التي راكمتها الإمارات في هذا المجال.
ويندرج هذا التعاون المتين والوطيد بين الرباط و أبوظبي في صلب الاتفاق الاستراتيجي الذي يربط دول الخليج بالمغرب، والذي حدد ضمن أهدافه رفع حجم الاستثمارات المباشرة في المملكة إلى 120 مليار دولار في غضون عشر سنوات.
كما أن الاهتمام اللافت للمستثمرين الإماراتيين والفاعلين الاقتصاديين بالأقاليم الجنوبية للمملكة، من شأنه تسريع وثيرة التنمية في المنطقة وخلق دينامية اقتصادية عبر توفير فرص الشغل للشباب، حيث شكل المنتدى المغربي الإماراتي الذي عقد شهر يوليوز 2021، في الأقاليم الجنوبية، تجسيدا لرغبة البلدين في تحقيق إقلاع اقتصادي بالمنطقة، وفي جذب المزيد من الاستثمارات التي سيجني المغرب ثمارها مستقبلا.
في مجال التعاون القضائي، يدفع المغرب والامارات تجاه الرفع من مستوى التعاون في هذا المجال إلى مستويات أكبر، من خلال تعميق النقاش بين خبراء البلدين، وترجمة هذا التعاون إلى اتفاقيات مختلفة في المجال التجاري والمدني، ومجال الأحوال الشخصية وتبادل التجارب في مجال الرقمنة، والبنيات التحتية للمحاكم، ومتابعة عمليات تنفيذ الاتفاقيات المشتركة بما يخدم رسالة العدالة ومفهومها النبيل.
وخلال الزيارة التي قام بها، عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، للامارات العربية المتحدة، أكدت الرباط و أبوظبي، عزمهما مواصلة مد جسور التعاون لتنمية وتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين في مجال العدالة، مع الوقوف على كل الفرص الممكنة لتقوية وتعزيز اَلياته بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين، وهو التعاون الذي يستمد قوته من الروابط الأخوية المتينة التي تربط قائدا البلدين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
مجال آخر يشكل أحد أبرز مرتكزات العلاقات الثنائية القوية بين الرباط و أبوظبي، هو التعاون الأمني في مجال محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث استقبل عبد اللطيف حموشي المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، الجمعة 8 أكتوبر الماضي، بالرباط، اللواء الركن فارس خلف المزروعي، القائد العام لشرطة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي كان قد قام بزيارة عمل إلى المغرب على رأس وفد أمني هام.
وقد شكل هذا اللقاء فرصة سانحة لاستعراض مستويات التعاون الأمني ومجالات التنسيق الشرطي بشأن مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تستمد قوتها ومتانتها من العلاقات المتميزة والوشائج العميقة التي تربط بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
كما تناول الطرفان كذلك، آليات الارتقاء بالتعاون الأمني العملياتي وتعزيز المساعدة التقنية، وتبادل الخبرات والممارسات الفضلى المعتمدة لتجويد خدمات التكوين الشرطي، وذلك على النحو الذي يضمن تحقيق تطلعات البلدين الشقيقين في الأمن والاستقرار، ويعزز الجهود المشتركة المبذولة لمكافحة مخاطر الإرهاب والإجرام المنظم العابر للحدود.
وقد برهن هذا اللقاء على عمق علاقات التعاون بين المؤسسات الأمنية وهيئات إنفاذ القانون في كل من المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما أنه يجسد أيضا تطابق وجهات النظر بشأن محورية ومركزية التعاون الأمني كآلية فعالة لمواجهة المخاطر الأمنية والتهديدات الإرهابية.
أما في مجال التعاون الأمني والعسكري، فيرتبط المغرب والإمارات بتعاون أمني وعسكري، ودفاعي، وطيد، يتعزز يوما بعد يوم بتوقيع اتفاقيات، وعقد مباحثات لدراسة التحديات الأمنية الإقليمية التي تواجه البلدين، خصوصا وأن البلدان راكما تجربة مهما في المجال الأمني و الاستخباراتي.
و خلال الزيارة الرسمية، التي قام بها الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي، رئيس أركان القوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، من 18 إلى 19 أكتوبر 2022، على رأس وفد هام، تم الاتفاق على تعزيز التعاون في مجال الدفاع وتبادل التجارب وإقامة مشاريع مشتركة في مجال …