هل تتصدر العلاقات مع المغرب أجندة الانتخابات الرئاسية الجزائرية؟
التصريحات التي أدلى بها المرشح الرئاسي في الجزائر عمر أيت المختار حول العلاقات مع المغرب تعبّر عن صوت العقل الرزين الذي يسري في غالبية الأوساط الجزائرية، وتحاول آلة الكابرانات الإعلامية والسياسية والعسكرية أن تكتمه وتتركه بعيدا عن الواجهة. لقد عبر آيت المختار أحد منافسي تبون المرتقبين في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة عن رغبته في تحسين العلاقات مع الجار الغربي، مضيفا في تصريح أدلى به لمنصة “مغرب أنتلجنس”، أنه فور فوزه بالانتخابات سيتّصل بالعاهل المغربي، محمد السادس، كما سيعمد إلى زيارة الرباط من أجل تحسين العلاقات مع المملكة المغربية. وهذا الطموح هو نفسه الذي لا يستطيع الكثير من الجزائريين للأسف الإعراب عنه صراحة بسبب الضغط والقمع المسلط من طرف النظام.
ولعل هذا المرشح، رغم أنه مغمور ولا يعرفه الكثيرون، قد أصاب كبد الحقيقة عندما تعامل بذكاء مع سؤال العلاقات المغربية وأكد أن المملكة المغربية “تشكل عمقا استراتيجيا للجزائر، والأمر نفسه بالنسبة للمغرب”، وأن “الأخوة بين الشعبين يجب أن تغلب على طابع الحسابات السياسية الضيقة”. ولكن أهم ما صرح به أيضا هو ضرورة ابتعاد النظام الجزائري عن دعم جبهة البوليساريو ومشروع الانفصال في الصحراء المغربية. فهل يمثل هذا التصريح بداية بروز رواية مضادة لرواية العسكر في الجزائر فيما يخص العلاقات مع المغرب؟ هذه هي الأهمية الحقيقية التي يكتسيها تصريح كهذا. أنه قادر على الكشف عن وجود أصوات عاقلة ومغايرة لما يحاول الكابرانات تعميمه على أساس أنه رأي عام.
الرأي العام الحقيقي في الجزائر باحث عن تطبيع العلاقات مع المغرب وفتح الحدود وعودة أواصر المودة والتفاهم بين الشعبين، واستئناف المبادلات التجارية والاقتصادية، والحسم في هذا النزاع المفتعل بالصحراء المغربية من أجل الالتفات إلى الأهم، ألا وهو مشروع بناء وحدة اتحاد المغرب العربي. هذا هو الصوت الكامن في فكر وبال جل الجزائريين العقلاء لكن الممارسات التسلطية والإعلام الموجه والدعاية المصطنعة الممولة من جيوب دافعي الضرائب هي التي تغطي على هذا الموقف الرزين والأصيل. وكلنا نتذكر عددا من التصريحات التي أدلى بها سياسيون ومفكرون جزائريون يعترفون فيها بتورط النظام الجزائري في مكايدة المغرب، مثلما عبر عن ذلك علي بلحاج وكريم طابو وغيرهما من القيادات الحزبية في البلاد.
وعلى الرغم مما تتعرض له هذه الأصوات من قمع إلا أنها يمكن أن تشكل نواة لانبثاق رأي عام جزائري مناهض للروايات الرسمية الهادفة إلى استدامة النزاع بين البلدين وبث روح الكراهية والحقد في نفوس المواطنين الجزائريين ضد كل ما هو مغربي. وقد رأينا كيف أصبحت كل المناسبات والمجالات سياقا ملائما للكابرانات من أجل بث هذه الأفكار السامة. البطولات الرياضية والمهرجانات الثقافية والمؤسسات التعليمية وغيرها أضحت فضاءات تسيّس فيها العلاقة مع المغرب، وتتصدر واجهتها الأطروحة الانفصالية المصنوعة بنوع من الصفاقة والغباء أحيانا. ولذا لن نبالغ إذا قلنا إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر يجب أن تشهد انبثاقا لنقاش عمومي جزائري مختلف حول مصير العلاقات مع المغرب.
والمرشح أو الحزب الذي سيطرح هذا النقاش لا شك أنه سيتحلّى بقدر عالٍ من الشجاعة السياسية بالنظر إلى أن الكابرانات نجحوا في تحويل هذا الملف إلى قائمة المحرمات التي يمنع الاقتراب منها إلا وفقا لرؤية النظام وتصوره. لكن إلى متى سينجح هذا الحظر والمنع في التهرب من الحقيقة الساطعة؟ يوما ما سيدرك، الجزائريون جميعا، أحب الكابرانات أم كرهوا، أن العلاقة بين البلدين قدر حتمي وأن الوحدة المغاربية هي البديل وليس اختلاق دويلة من العدم.