كيف تحوّل عراب التنسيق الأمني إلى مفتي الوحدة العربية؟
الدار- ليلى الدريوش
متى أصبح جبريل الرجوب، جزار الضفة الغربية والحارس الأمين على أمن إسرائيل ودوام التنسيق الأمني مرجعا يُستشار في قضايا الأمن والاستقرار والوحدة العربية؟ لا يمكن أن يحدث هذا إلا في وسائل الإعلام الجزائرية التي تستغل زيارة الرجل الذي سقط سهوا على قطاع الرياضة الفلسطيني، وبدلا من أن تحاوره في مجال اختصاصه، إن كان له اختصاص أصلا، تصطاد في الماء العكر وتطرح عليه قضايا لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد، ثم تسأله عن التطبيع مع إسرائيل فيقفز بمظلته على أم رأسه ليتحدث عن الصحراء المغربية ويطلق تصريحا أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه عدائي وموجه ضد الوحدة الترابية لبلادنا.
لم تمض سوى أيام قليلة على إطلاق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وعد تقديم مساعدة مالية من 30 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينية من أجل إعمار جنين، حتى جاء الرجوب إلى الجزائر متهافتا غير مدرك تماما لا لنطاق مسؤولياته ولا لالتزامات رفاقه في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والحكومة التي يقودها محمود عباس أبو مازن. هكذا يطلق تصريحا خاليا من أي اعتبار للثوابت الفلسطينية فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، ومن أيّ حصافة سياسية يفترض أن يتمتع بها مسؤول كهذا قضى سنوات على رأس الهرم الأمني الفلسطيني. لكن الجانب الأكثر وقاحة في تصريح الرجوب هو محاولته تقديم الدروس عن مسألة دور إسرائيل وعلاقتها بالدول العربية وانتقاد نهج التطبيع.
هذا الذي يخلط بين إسرائيل وبين قضية الصحراء المغربية هو نفسه الذي كان وما يزال أحد أكثر المسؤولين الفلسطينيين دفاعا عن التنسيق الأمني مع إسرائيل من أجل مطاردة فصائل المقاومة ومتابعة عناصرها وتضييق الخناق على تحركاتهم بل واعتقالهم. جبريل الرجوب آخر شخصية فلسطينية يمكنها أن تقدم الدروس لأيّ كان، سواء في شمال إفريقيا أو الخليج العربي، لأنه لم يكن يوما ذا مصداقية ولا رجلا يتمتع بالحس الوطني الذي ميز العديد من المسؤولين الفلسطينيين سواء في السلطة أو في المواقع القيادية لحركات المقاومة. ولعلّ هذا الطابع الفظ لشخصية الرجوب ينسجم إلى حد كبير مع ما اقترفه اليوم من تصريحات بلغ به أمرها حدّ الحديث عمّا سمّاه الصحراء الجزائرية أو المغربية، بل والدفاع عن خيار الاستفتاء.
حديث هذا الفلسطيني عن الاستفتاء في الصحراء المغربية لا يمكن أن يكون له إلا تفسيران: التفسير الأول هو أنه شخص مغيّب أصلا، لا علاقة له بالسياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية ولا يفهم توجهاتها وضوابطها، وعلى رأس هذه التوجهات طبعا النأي بالنفس فيما يتعلق بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، حيث تعلّم كل المسؤولين الفلسطينيين على مدار التاريخ أن مصلحة الشعب الفلسطيني تقتضي أن يظل على الأقل محايدا، ويتجنّب الاصطفاف إلى جانب أطروحة الانفصال بالنظر إلى العلاقات التاريخية الراسخة مع المغرب، أحد أكثر البلدان العربية دعما للشعب الفلسطيني وحقوقه. والرجوب بعيد تماما عن هذه الدائرة الدبلوماسية التي لا تليق على ما يبدو، لا بطبعه ولا بشخصيته، ولا حتى بقدراته على فهم وتقدير المواقف السياسية العربية. والعيب هنا ليس فيه وحده، بل في أولئك الذين سألوه في قناة تلفزيونية، يفترض أنها تستضيف وزير الرياضة الفلسطيني ثم تسأله عن مسألة سياسية خالصة بعيدة تماما عن نطاق اختصاصاته!!
التفسير الثاني وهو الأقرب إلى السياق في نظرنا، هو قوة البترودولار الجزائري. فالرجل الذي يلقبه الإعلام الفلسطيني بـ”جيفارا” الرياضة الفلسطينية، يُعرف في الداخل الفلسطيني بأنه بنا امبراطورية فساد كاملة في هذا القطاع، ويستغل ميزانيات ضخمة دون أيّ نتائج تذكر للرياضة الفلسطينية. وقد ظهر ذلك في تقارير إعلامية رصدت مستويات التبذير والهدر التي تتعرض لها الموارد المالية الفلسطينية منذ أن أصبح الرجوب ملك الرياضة في بلاده. عندما تتحرك حقائب البترودولار أمام أشخاص من هذه الطينة فليس من المستبعد أبدا أن يطلقوا أيّ تصريحات كيفما كانت من أجل الحصول على نصيب من الكعكة. حتى ولو استدعى الأمر إعلان الكفر البواح، فما بالك بتبني وجهة نظر الطرف المموّل.
ونريد أن نطمئن الرجوب وأمثاله ممن يجهلون حقيقة موضوع الصحراء المغربية عموما وأهميته بالنسبة إلينا في المغرب خصوصا، أن الاستفتاء الذي يتحدث عنه راح إلى غير رجعة منذ زمن طويل، ليس لأن الولايات المتحدة الأمريكية أو إسبانيا، أو حتى إسرائيل كما يزعم عراب التنسيق الأمني، أيدت أو ستؤيد الموقف المغربي. الاستفتاء أصبح مجرد نكتة سمجة لأن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، ولن يغير شراء بعض الأصوات بتمويل من موارد الشعب الجزائري أيّ شيء على أرض الواقع.