ما مصير 30 مليون دولار التي وعد بها تبون سكان جنين؟
بعد مرور شهرين على العدوان الذي استهدف مدينة جنين في الضفة الغربية تعالت الأصوات المدنية المحتجة على تأخر عملية إعادة الإعمار. وكان رد مسؤول فلسطيني بأن السلطة لم تتوصل بعد بمبلغ 30 مليون دولار التي وعد بها آنذاك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وبينما تحدث مسؤول جزائري عن توصل السلطات بتقارير تؤكد عدم استفادة أهالي جنين من المساعدات الجزائرية، وأنه يتم التفكير في تشكيل لجنة لمعرفة حقيقة وصول المساعدات الى الفلسطينيين، تنفي السلطات الفلسطينية حصولها على مبلغ 30 مليون دولار، الذي أعلنته الرئاسة الجزائرية حينها وأطلقت حملة دعائية كبيرة للترويج له. فأين ذهب المبلغ الذي صدّع به الكابرانات رؤوس العرب؟
من الواضح إذاً أن الوعد الذي أطلقه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على الملأ كان مجرد بروباغندا للاستهلاك الإعلامي والمزايدة السياسية لا أقل ولا أكثر. وربّما يكون النظام الجزائري قد تراجع عن وعده بالتبرع بسبب تخوفّه من رد فعل السلطات الإسرائيلية على هذا القرار. وقبل هذا الوعد كان هناك مبلغ أكثر قيمة أعلنت السلطات الجزائرية التبرع به للسلطة الفلسطينية عندما تم استدعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر وعقد مصالحة أمام الكاميرات بين الفصائل الفلسطينية سرعان ما تحوّلت إلى أكذوبة بسبب وقائع الصراع الميداني بينها. حينها تبرع الكابرانات بمبلغ يصل إلى 100 مليون دولار من مقدّرات الجزائريين دون تقديم الحساب أو التبرير المنطقي لوصول هذه الأموال إلى مستحقيها.
فضيحة 30 مليون دولار التي أنكر الفلسطينيون التوصل بها وما يزال سكان أحياء جنين المتضررة من الهجوم الإسرائيلي ينتظرونها تضع الكابرانات في موقف محرج للغاية بالنظر إلى أن الصورة التي حاولوا دائما الترويج لها تحاول تقديم هذا النظام باعتباره حريصا على القضايا القومية العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لكنه حرص يركّز أساسا على الاستعراض الإعلامي لا أقل ولا أكثر. هناك دول عربية عديدة تدفع أكثر من هذه المبالغ وبشكل سنوي ومنتظم للشعب الفلسطيني دون أن يدري أحد ودون أن يشعر الفلسطينيون بالإهانة أو الإذلال بسبب هذه المساعدات. ما تدفعه المملكة العربية السعودية وقطر مثلا كل عام للسلطة الفلسطينية لا يقارن بهذه الملايين التي ضاعت في الطريق من الجزائر إلى جنين.
وما تقدمه لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس سنويا لجهود مقاومة التهويد والحفاظ على الطابع العربي والإسلامي للمدينة المقدسة لا يمكن إحصاءه منذ عقود طويلة. ولكن لا أحد سمع جلالة الملك محمد السادس ولا أيّ مسؤول مغربي رفيع يعلن على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام قرار التبرع بهذا المبلغ أو ذاك. هذه المؤسسة تقوم بأدوارها النضالية في مجالات العمران والثقافة وحماية المواقع التاريخية وتساعد المقدسيين منذ عقود طويلة على الصمود والاستقرار في مدينتهم دون منّ أو دعاية. بل إنها تعمل وفق برامج عمل محددة بتعاون مع هيئات مدنية فلسطينية اعتادت على التعامل مع هذه اللجنة منذ سنوات طويلة.
والفلسطينيون لا يحتاجون بالمناسبة إلى شيكات ومبالغ مالية من فوائض البترودولار فقط، بل هم في حاجة أيضا إلى التكوين والدعم الاجتماعي والنفسي، وبرامج التأهيل والمساعدة في شتى المجالات. أطفال القدس مثلا يزورون بانتظام المغرب ويشاركون في مخيمات صيفية أو شتوية يتعرفون من خلالها إلى بلادنا وإلى أجيال من نظرائهم المغاربة. كما أن برامج لجنة القدس تخضع لتتبع ورقابة صارمة على كافة المستويات من أجل الوفاء بمشاريعها والتزاماتها في الآجال المحددة. أما إطلاق الوعود هكذا بالتبرع بمبالغ كبيرة دون أن يخضع ذلك لدراسة من طرف المؤسسات المعنية كما وقع مع تبون فإنه يؤكد أننا أمام نظام يفتقد للأهلية الإدارية وثقافة المؤسسات والتدبير وفقا للقواعد الحديثة عبر مؤسسات التنمية الدولية المعنية بذلك. لذا من الضروري أن يقدم الكابرانات اليوم الحساب أمام الشعب الجزائري عن ضياع هذا المبلغ وعدم توصل الفلسطينيين المتضررين في جنين بأيّ فلس منه لإعادة إعمار منازلهم. فمن يا تُرى استفاد من وعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون؟
الدار/ تحليل