أخبار الدارسلايدر

عودة الأطفال إلى فصولهم واستمرار النشاط السياحي يبهر العالم

الدار-تحليل

قرار وزارة التربية الوطنية استئناف الدراسة بالمناطق المنكوبة التي أصابها زلزال الحوز المدمر يأتي ليتوّج في وقت جد مناسب الجهود الجبارة التي بُذلت في الأسبوع الماضي من أجل التكفّل بضحايا هذه الكارثة والتصدي لتداعياتها سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي. لم تكد تمض 10 أيام كاملة على هذه الكارثة حتّى انتصبت من جديد الفصول الدراسية وسط الجبال داخل الخيام والمعسكرات وعاد أبناء وبنات الأطلس الكبير إلى أقسامهم يجلسون أمام معلميهم وأساتذتهم ليعانقوا العلم والمعرفة، ويشقّوا طريقهم من جديد نحو مستقبل أفضل وحياة أكثر تفاؤلا وجمالا. الصور التي ترد من هذه المناطق تؤكد بالملموس أن المغرب والمغاربة قادرون بالفعل على تخطّي كل المحن مهما كان حجمها.

الإجراءات التي اتخذت من أجل إعادة إيواء المنكوبين تسير على قدم وساق وعمليات الإغاثة وانتشال المفقودين ما تزال متواصلة والزخم الشعبي المتضامن مع سكان الأقاليم المنكوبة لم يتوقف أبدا، والاجتماعات واللقاءات الرسمية التي تعقدها الحكومة واللجنة المختصة متواصلة، وفي الأثناء نفسها ما تزال القوات المسلحة الملكية وقوات الدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية تجوب جبال الأطلس بحثا عن أسر محتاجة أو منازل منهارة ولرصد الاحتياجات اللازمة والمستعجلة. ومع ذلك يصرّ المغاربة وسط حالة الطوارئ هذه على استمرار الحياة وعودة المياه إلى مجاريها وكأن شيئا لم يحدث، لنرى الابتسامة من جديد ترتسم على وجوه الأطفال والتلاميذ في الأقسام الدراسية.

هذا هو المغرب الجديد الذي يولد في كل مرة من وسط الأزمة والمحنة التي يجتازها وتفرضها الظروف الطبيعية أو البيئية مثلما شاهدناه عيانا خلال أزمة كوفيد 19. حينها رأينا كيف اجتاحت روح التضامن أبناء الوطن وكيف تكفّلت الدولة الاجتماعية بمواطنيها واستطاعت أن تحتوي هول الكارثة التي عصفت بدول العالم وتحد من انتشار الوباء في الوقت الذي كان يغزو فيه مناطق أخرى من العالم ويحصد أرواحا بالآلاف. وها هو ذا زلزال الحوز يذكّرنا من جديد بأننا نمتلك روح تمغربيت الأصيلة التي تجعل بلادنا تتمتع بهذا الاستثناء المغربي الخاص. كلّما داهمتنا المحن وجدتنا متضامنين مستعدين مهيئين، نبذل أقصى ما لدينا ونقدم أغلى ما في حياتنا.

هذه الروح ليست مقتصرة بالمناسبة على الأفراد وآحاد المواطنين، بل هي تكاد اليوم تتحول أيضا إلى ثقافة مؤسسات حيث برهنت كافة الهيئات الرسمية بمختلف مجالات اختصاصها مرة أخرى عن احترافيتها العالية في مواجهة هذه الكوارث. ليس من السهل بتاتا أن تُتخذ كل هذه القرارات في ظرف يقل عن أسبوع بعد الكارثة، وينطلق برنامج إعادة الإيواء وترميم المباني وبنائها بينما ما تزال أعمال الإنقاذ مستمرة وما تزال فرق الإنقاذ تبشرنا بين الفينة والأخرى بالأخبار السارة عن إنقاذ كائن حي بشرا أو حيوانا. هذه الأزمة مليئة بالعبر والدروس، ولعلّ أهمها الثقة التي ينبغي لنا استعادتها من جديد في مؤسساتنا الوطنية التي أضحت تمتلك من الخبرة والدراية ما يكفي للنهوض بهذا الوطن.

والدليل على ذلك هو أن الحركة الإنتاجية والدورة الاقتصادية ببلادنا لم تتوقف بتاتا بعد ما جرى على الرغم من أن هول الكارثة شعر به أكثر من نصف سكان المغرب. بل إن القطاع السياحي الذي يعد عصب الاقتصاد في مراكش وما حولها لم يتأثر كثيرا وما تزال وفود السياح تصل إلى هذه المدينة تعبيرا عن قدر كبير من الثقة في بلادنا وفي قدراتها على إدارة أزمات كهذه. في مواقع أخرى من العالم يمكن أن يؤدي زلزال كهذا إلى توقف الحياة تماما وربما إلى انهيار الخدمات العمومية فما بالك بالاقتصاد السياحي أو الصناعي. لذلك نحن فخورون اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بما حقّقناه ونحققه وسنحققه لهؤلاء المنكوبين بعد أن ينطلق برنامج إعادة إعمار المناطق المنكوبة ليزيد الأطلس الكبير علوا وزهوا بأبناء هذا الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى