أخبار الدارسلايدر

هل نضجت شروط الاتفاق على وقف العدوان في قطاع غزة؟

الدار/ افتتاحية

رفْض الولايات المتحدة الأمريكية لعملية رفح دون ضمانات حقيقية لحماية المدنيين، وتزايد وتيرة الضغوط الداخلية في إسرائيل، واستماتة المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي كلّها مؤشرات تدفع باتجاه الاعتقاد بأن الحرب قد شارفت على نهايتها وأن المفاوضات الجارية حاليا في الدوحة قد تسفر في أقرب وقت عن اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الطرفين. لقد قدمت حركة حماس عرضا إلى الوسطاء ينقسم إلى ثلاثة مراحل تُتوَّج بوقف نهائي لإطلاق النار والشروع في إعادة تعمير قطاع غزة. بينما تصرّ إسرائيل ظاهريا على مطلب إطلاق سراح الأسرى لدى حماس دون قيد أو شرط. لكن صوت البنادق والمدافع هو الذي يحدد مسار هذه المفاوضات.

على الرغم من انقضاء أكثر من 5 أشهر على بدء العدوان لم تنجح القوات الإسرائيلية في تحقيق الأهداف المعلنة. لم تحرّر الأسرى ولم توقف هجمات الصواريخ ولم تتمكن من تدمير بنية الأنفاق أو توقيف القادة الميدانيين المؤثرين في كتائب القسّام. هذا الفشل الواضح الذي يراه بعض المحلّلين الإسرائيليين هزيمة صريحة، هو الذي يدفع واشنطن اليوم إلى الاعتراض على قيام إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية داخل نطاق مدينة رفح وفقا لمخططات حكومة الحرب، التي تشهد بدورها خلافات عميقة بين وزير الدفاع ورئيس الحكومة بينيامين نتنياهو. وفي ظل هذا الفشل الميداني لم يعد الكثير من الإسرائيليين يخفون مطالبتهم بوقف الحرب واسترجاع ما تبقى من الأسرى الأحياء، لحفظ ماء وجه إسرائيل.

من جهته يبدو بنيامين نتنياهو وحيدا مغردا خارج السرب في الإصرار على استمرار الحرب وخوض مغامرة اجتياح رفح، لأنه يدرك جيدا أن وقف صوت المدافع يعني نهايته السياسية الحتمية، وضرورة استعداده لتقديم الحساب الكامل عمّا جرى منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي. لكن الولايات المتحدة التي تدير فعلا هذه الحرب تتجه شيئا فشيئا نحو الضغط على إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق وشيك ولا سيّما أنها تدرك جيدا مدى تأثّر صورة إسرائيل في الداخل الأميركي وعلى الصعيد الدولي بسبب الفظاعات وحرب الإبادة والمجازر التي ترتكبها في حقّ الفلسطينيين، خصوصا منذ أن ظهرت نتائج حرب التجويع والحصار ضد سكان القطاع.

من السذاجة أن نعتقد إذاً أن الولايات المتحدة منشغلة إلى أبعد مدى بحياة المدنيين من الفلسطينيين. إنها منشغلة أكثر بمستقبل إسرائيل وأمنها والدعم الدولي والغطاء السياسي الذي توفره لها. هناك خطوط حمراء تتجاوزها الحرب الدائرة اليوم، وهي التي تدفع الدول الغربية منذ بضعة أيام إلى التهافت على رفع شعار حماية أرواح المدنيين وضرورة توفير المساعدات الإنسانية لهم. لكن العنصر الأكثر تأثيرا والذي يمكن أن يعجّل بهذا الاتفاق في شهر رمضان الجاري، هو المخاوف الأمنية الداخلية في إسرائيل، وعلى رأسها التخوف من احتمال اندلاع انتفاضة جديدة لفلسطينيي الداخل المستقرّين في أراضي 1948، على غرار ما حدث سنة 2021. فعلى الرغم من السياسة العقابية المتشددة التي نهجتها إسرائيل ضدهم منذ تلك الانتفاضة إلا أن هذا الاحتمال يمثّل كابوسا أمنيا حقيقيا بالنسبة إلى تل أبيب.

لقد استطاع المجتمع الإسرائيلي في الأيام الأولى التي تلت عملية طوفان الأقصى أن يحقق قدرا كبيرا من الانسجام والتماسك في توحيد الرؤى والأهداف، لكن تطورات العدوان وأبعاده اللاإنسانية المدمّرة ونتائجه الكارثية على صورة إسرائيل تعمق اليوم الخلافات الداخلية وتهدد النسيج الإسرائيلي بالمزيد من التمزّق. وفي ظل الاندحار الذي تحصده إسرائيل على مستوى الحرب الإعلامية وتزايد مشاعر الغضب الشعبية في مختلف أنحاء العالم ضد الجرائم المقترفة في غزة فإن كلّ الظروف أضحت مهيّأة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن، وإنهاء صفحة من أكثر الصفحات دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى