أخبار الدارسلايدر

فضيحة تجسس الكابرانات في كندا تؤكد تغوّل النظام العسكري على أحرار القبائل

الدار / تحليل

الفضيحة التي فجرتها الصحافة الكندية حول تجسس المخابرات الجزائرية على المواطنين الجزائريين المنحدرين من منطقة القبائل تمثل فصلا جديدا من فصول الانتهاك الصارخ والاضطهاد البيّن ضد أبناء هذه المنطقة لا لشيء سوى أنهم يطالبون بحقهم في تقرير المصير لشعب يعد أعرق شعوب شمال إفريقيا، وأكثرها تجذرا في تاريخ المنطقة. لقد كشفت إذاعة كندا شهادات مخجلة تورط القنصلية الجزائرية في مونتريال في اقتفاء أثر المواطنين القبائليين دون غيرهم، بشكل أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه عنصري وتمييزي ضد مواطنين جزائريين قد لا يكون بعضهم قد أعلن حتى إيمانه بقضية تقرير المصير.

أحد الشهود تحدث عن الاستنطاق الذي خضع إليه داخل القنصلية حول علاقته ببعض نشطاء حركة المطالبة بتقرير المصير المعروفة اختصاراً بحركة “الماك” وكيف طلب منه الموظف الذي استنطقه قطع أي صلة بأبناء قريته المنتمين إليها. هذا الشاهد أشار إلى أن زيارة القنصلية الجزائرية في مونتريال صارت اختبارا مخيفا بالنسبة للعديد من الجزائريين ولاسيما المنحدرين من منطقة القبائل، ناهيك عن النشطاء الرسميين المعروفين في حركة المطالبة بالاستقلال في القبائل. ويدل هذا التسلط البوليسي الذي تدير به السلطات الجزائرية ملفات الجزائريين في كندا مستوى الخوف والارتباك الهائل الذي تعيشه فيما يتعلق بالتعامل مع المطالب الاستقلالية المشروعة لشعب القبائل.

يحاول نظام الكابرانات باستمرار التهوين من قوة حركة الماك وتأثير وانتشار المطلب الاستقلالي، وتروج من خلال أبواقها الإعلامية أن الأمر لا يعدو أن يكون زمرة من المرتزقة والمتمردين. لكن إذا كان هؤلاء مجرد عصابة مارقة فلماذا يتملك الرعب السلطات الجزائرية إلى درجة تتبع تفاصيل حياة الجزائريين في دول المهجر؟ الحقيقة أن الأمر جدّ وليس بالسهولة والبساطة التي تحاول الجزائر أن تظهر بها. تخصيص ملفات لنشطاء الحركة وتتبع سكنات وحركات المواطنين المقيمين في أقاصي العالم أكبر دليل على رعب هذا النظام من القضية العادلة لشعب القبائل. حركة المالك لا تتحدث من فراغ بل تعبر عن مطالب ملايين القبائليين الأحرار الذين من حقهم أن يقرروا مصيرهم وفقا لما تمليه القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، التي تدافع عنها الجزائر في ملفات أخرى مفتعلة.

ومن المؤكد أن الفضيحة التي فجرتها إذاعة كندا سيكون لها ما بعدها لأن السلطات الكندية وحكومة ترودو لا يمكن أن تقبل حدوث هذا النوع من الانتهاكات الحقوقية والاضطهاد السياسي على أراضيها. من غير المعقول أن تمتد الممارسات القمعية التي تسود داخل الجزائر خارج الحدود لتحوّل حياة مواطنين جزائريين ألقت بهم ظروف الحياة في أتون الهجرة والغربة إلى جحيم ومعاناة حقيقيين. بل إن المئات منهم أصبحوا محرومين من حق العودة إلى منطقة القبائل وصلة الرحم مع أهاليهم، ويبدو لهم مستقبل العلاقة مع الوطن الأم غامضا ومخيفا في الوقت نفسه.

تنضاف هذه الفضيحة إلى السجل الحقوقي الأسود لنظام الكابرانات الذي تعوّد على فرض القيود على حركة النشطاء والمعارضين، واستطاع تدريجيا محاصرة الفاعلين الذين ساهموا في حراك فيفري 2019 الشهير. وأعاد من جديد تثبيت دعائم النظام الاستبدادي والعسكري ذاته، والالتفاف على المطالب المشروعة على الرغم من التضحيات التي قدمها المشاركون في هذه الانتفاضة الاجتماعية والسياسية الواسعة. وهذا يؤكد أن دار لقمان ظلت على حالها، بل زاد تغول هذا النظام الفاسد أكثر فأكثر، إلى درجة مطاردة المواطنين في مختلف بقاع العالم في تناقض صارخ مع الخطاب الذي يعلنه أمام العالم. هذا النظام الذي يحسب أنفاس القبائليين هو نفسه الذي يزعم الرأفة ويدعي الدفاع عن حقوق شعوب أخرى، لا لشيء إلا لأغراض إثارة الفتن وزعزعة الوحدة الترابية لجيرانه.

زر الذهاب إلى الأعلى