أخبار الدارسلايدر

كلمة المندوب السامي للتخطيط بمناسبة انطلاق المرحلة الميدانية لإنجاز الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024

الدار/

حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي بداية أن أشكركم على تقاسمكم معنا هذه اللحظة، التي نعلن فيها انطلاق المرحلة الميدانية لإنجاز الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، في سياق يتميز بروح ما ورد من سامي توجيهات جلالة الملك نصره الله في الرسالة الملكية التي وجهها جلالته لرئيس الحكومة دأبا على ما أبى صاحب الجلالة إلا أن يجعل منها تقليدا يتشرف به رؤساء الحكومات في كل عشر سنوات يحل فيها الإحصاء العام للسكان والسكنى.
ويلتئم لقاؤنا هذا في جو يتسم بروح التعبئة و الاستعداد المستوحيان من الرسالة الملكية وما حددته للإحصاء العام للسكان و السكنى من أبعاد استراتيجية لإنجازه و بما يُنتظر منه من «تجسيد مشروعنا المجتمعي وفي تحقيق نموذجنا التنموي القائمين معا على مبادئ الديمقراطية السياسية، والنجاعة الاقتصادية، والتنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي»، بما سيوفره من معطيات تمكن من «فهم التطور الديمغرافي والسوسيو– اقتصادي لبلادنا بشكل دقيق، واستشراف الاحتياجات المتغيرة للمواطنين»، وذلك في أفق «إعداد السياسات الملائمة تبعا لذلك».
إن المندوبية السامية للتخطيط، التي تدين بوجودها واستقلالها المؤسساتي والتزامها الدائم وحرصها على تبني المعايير العلمية المعترف بها دولياً في ممارسة مهامها إلى قرار مولوي سام ورعاية جلالته، قد كان لها الشرف، منذ أن تم إحداثها، بالقيام بإنجاز جميع العمليات التحضيرية للإحصاء العام للسكان والسكنى، مما تقتضيه من إعداد المفاهيم والمنهجيات وتجميع المعطيات لدى الأسر ومعالجتها ونشرها على الصعيدين الوطني والدولي.
ولقد حظيت مؤسستنا، في ممارسة مهامها لمختلف مراحل الإحصاء العام السابع للسكان والسكنى، بشرف الاستلهام المباشر من توجيهات صاحب الجلالة، نصره الله، سواء فيما يخص المحتوى المفاهيمي والخيارات المنهجية أو التكنولوجية المعتمدة في كل مرحلة من المراحل التحضيرية للإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، مما أتاح السلاسة والنجاعة لعلاقاتنا مع مختلف المؤسسات في توفير التمويل وتيسير المساطر والإجراءات الإدارية.
وفي هذا الصدد، فإنني أغتنم هذه الفرصة لأعرب عن خالص تقديري وشكري بالخصوص للسيد رئيس الحكومة والسيد وزير الداخلية، والسادة الولاة والعمال والسلطات المحلية الذين ينيط بهم القانون القيام بالدور الحيوي في توفير الشروط الضرورية لإنجاح الإحصاء العام للسكان والسكنى في مرحلته الميدانية.
كما يطيب لي أن أتقدم بالشكر للسيد الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية وللسيد الخازن العام للمملكة، الذين وفرا لنا أحسن الظروف لتيسير التمويل لهذه العملية، وللسيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الذي أقمنا معه شراكة للاستفادة من اللوحات الالكترونية بإعادة استخدامها في إطار مشروع الأقسام الرقمية بعد الانتهاء من إنجاز الإحصاء.
حضرات السيدات والسادة،
في إطار مسؤولياتنا المرتبطة بعملية التحضير للإحصاء العام للسكان والسكني 2024، قمنا بإنجاز عمليتين خرائطيتين، حيث همت العملية الأولى الأسر والبنايات والمساكن، فيما شمات العملية الثانية المنشآت الاقتصادية وذلك باستعمال نظام متنقل للمعلومات الجغرافية مزود بصور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة.
وقد مكنتنا العملية الخرائطية الأولى، والتي تهدف إلى ضمان مسح شامل للسكان أثناء فترة إنجاز الإحصاء، دون إغفال أو تكرار لأية أسرة أينما كان موقع مسكنها (في الجبال او السهول، بالوسط الحضري أو القروي) من تقسيم مجموع التراب الوطني إلى حوالي 38 ألف منطقة إحصاء، وهي مناطق جغرافية ذات حدود واضحة يسهل التعرف عليها في الميدان وحجم متوسط يتناسب مع قدرة الباحثين على تجميع المعطيات لدى جميع الأسر المقيمة فيها خلال فترة إنجاز الإحصاء وذلك من فاتح إلى 30 شتنبر2024. وقد مكنتنا هذه العملية من التوطين الجغرافي لأزيد من 4 ملايين بناية بالوسط الحضري، 75٪ منها مصنفة كدور مغربية عصرية، بالإضافة إلى التوطين الجغرافي لحوالي 34 ألف دوار بالوسط القروي.

أما العملية الخرائطية الثانية فقد ساهمت في إنشاء خريطة ذات مرجعية جغرافية للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (كالمساجد والمراكز الثقافية)، والتجهيزات الجماعية (كالإدارات العمومية والمدارس والمستشفيات)، والمؤسسات الجمعوية (كالجمعيات والنقابات)، وكذلك الأسواق الأسبوعية. ستتيح نتائج هذه العملية، بعد نشرها، للمستخدمين إنتاج خرائط ديناميكية وتفاعلية، عبر منصة تم إعدادها لهذا الغرض، تُظهر توزيع الأنشطة الاقتصادية بالإضافة إلى معلومات مفصلة حول هيكل وخصائص القطاعات الاقتصادية على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية أو على مستوى أي منطقة يحددها المستخدمون شريطة الالتزام بالقوانين التي تنظم السرية الإحصائية. وقد مكنت هذه العملية من التوطين الجغرافي لأزيد من مليون و300 ألف مؤسسة اقتصادية نشيطة، غالبيتها (أكثر من 85٪) هادفة للربح، بالإضافة إلى أزيد من ألف سوق أسبوعي نشيط.
حضرات السيدات والسادة،
مع أهمية الأعمال الخرائطية، يبقى تكوين المشاركين عاملا حاسما في نجاح الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024.
وفي هذا الصدد، اعتمدنا نموذجا معلومياتيا لانتقاء المرشحين للمشاركة في إنجاز هذه العملية الوطنية، من باحثين ومراقبين ومشرفين. ومن بين 500 ألف طلب ترشيح، تم اختيار حوالي 200 ألف مرشح بطريقة آلية بناءً على معايير محددة قانونيا مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجيات المجالية في كل جماعة محلية. وقد استفاد هؤلاء المرشحون من تكوين عن بُعد تم تطويره بشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية حيث استغرق هذا التكوين ثلاثة أشهر، تمكن على إثرها حوالي 100 ألف مرشح من إنهاء جميع الوحدات التكوينية بنجاح.
وتتميز المرحلة الحالية بإجراء مقابلات فردية، يقوم بها المديرون الجهويون والمشرفون الإقليميون للمندوبية السامية للتخطيط لانتقاء 55 ألف مرشح بناء على امتلاكهم للمهارات والكفاءات اللازمة للقيام بمهامهم. سيستفيد جميع هؤلاء المرشحين بعد ذلك من تكوين حضوري لمدة أسبوعين خلال شهري يوليوز وغشت 2024. كما سيتم تعزيز هذا التكوين بزيارة ميدانية يقوم بها، قبل يومين من الإطلاق الرسمي للإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، كل باحث ومراقب ومشرف من أجل التعرف على المنطقة المسندة إليهم والقيام بتحيين حدودها إذا لزم الأمر ذلك.
ومن أجل التعرف على المشاركين المكلفين من طرف المندوبية السامية للتخطيط بتجميع المعطيات لدى الأسر خلال الإنجاز الميداني لإحصاء، فقد تم مدهم بشارات رسمية تحتوي على صورهم ورقم بطاقات التعريف الوطنية وبقبعات تحمل شعار الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024.
وإضافة إلى ذلك، سيتم تزويد هؤلاء المشاركين بلوحات إلكترونية تحتوي على التطبيق المعلوماتي الذي طوره المعلوماتيون والمختصون في نظم المعلومات الجغرافية بالمندوبية السامية للتخطيط، والذي يتضمن الحدود والمسارات التي يجب على الباحثين اتباعها وكذا الاستمارات الإلكترونية المعدة لتجميع المعطيات لدى الأسر. كما يضم هذا النظام قواعد للتحقق من صحة وانسجام المعطيات، مما سيسهل استغلال المعلومات المجمعة في عين المكان قبل إرسالها أوتوماتيكيا بشكل مباشر ومؤمن إلى مركز معالجة المعطيات.
لقد تمت جميع المراحل التحضيرية للإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 في أحسن الظروف وذلك بفضل التعبئة المتواصلة والعمل الدؤوب الذي قام به الإحصائيون والمعلوماتيون والأطر الإدارية في المندوبية السامية للتخطيط، الذين حظوا بشرف المشاركة في إنجاز هذه العملية الوطنية الكبرى، ويطيب لي في هذه المناسبة أن أنوه بالتزامهم ومجهوداتهم اللامشروطة.
حضرات السيدات والسادة،
لقد صادف الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 نهاية مرحلة صعبة شهدناها، حيث أثرت في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بما عرفته بلادنا من أزمات متتالية من قبيل وباء كوفيد 19 وتوالي سنوات الجفاف وارتفاع التضخم والحوادث الطبيعية. ومع ذلك، ظل المغرب صامدًا محافظًا على توازناته الاقتصادية والاجتماعية.
وإننا لنبتهج اليوم بقناعتنا أن هذه السحب هي آيلة للتبدد وأن المغرب مقبل على آفاق واعدة مدعوما بتوجهه الجيوستراتيجي في سياق دولي ملائم ومرتكزا على مؤهلاته الذاتية المتمثلة خصوصا في موقعه الجغرافي وعمق تراثه التاريخي والوزن الدولي لجلالة الملك وحكمة المبادرات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز المكانة الاستراتيجية للمملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
وانطلاقا من هذه القناعات المتفائلة التي استرشدنا بها في تصميم الحملة التواصلية للإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، قمنا بصياغة الهوية البصرية والشعارات التي تعكس الرؤية التطلعية لهذه العملية.
ولقد تم تصميم هذه الصورة البصرية في شكل نصف قوس متجه نحو أفق علوي مشيرا بذلك إلى غد أفضل ويحمل وجوها تجسد السكان بمختلف فئاتهم العمرية من أطفال وشباب ونساء ورجال، وتتزين كل منها بألوان تحيل إلى القيم التي تؤمن بها بلادنا، حيث ينطلق القوس من لون التراب الذي يجسد تشبث المغاربة بأرضهم والقيم الوطنية التي توحد مختلف توجهاتهم، تليه صورة باللون الأزرق للإشارة إلى أهمية ما يحيط بالمغرب من بحار وما يجسده من انفتاح بلادنا على آفاق التعاون الدولي بجميع أبعاده، لتتبعه صورة بالأخضر الفاتح يعكس اخضرار سهولنا و الجوانب الروحية لثقافتنا ومؤسساتنا الوطنية. وأخيراً، ترمز الصورة باللونين الأحمر والأخضر المرتبطين بشعار العلم الوطني إلى تضامن ووحدة الأمة المغربية مع إبراز وجوه شباب من كلا الجنسين في حركة سير بخطى ثابتة نحو أفق يضيئه شعاع الشمس. وهذه هي الديناميكية التي يحتاجها المغرب للاستفادة القصوى من موارده ومقوماته ومن جميع الفرص المتاحة له.
ترافق هذه الهوية البصرية شعارات منها ما اقترحنا الإبقاء عليه كتوقيع دائم للإحصاءات المستقبلية، بحكم لاتاريخية الحقيقة التي يعبر عنها وهي عبارة “قيمة بلادنا سكانها” الذي اعتمدناها خلال الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014.
وفي هذه النسخة السابعة من الإحصاء، يرافق هذا التوقيع شعار أكثر ارتباطا وانسجاما مع محتوى التوجه الذي أسس للحملة التواصلية في مجموعها والذي اخترنا له تعبير “غدا بين أيدينا”، بما يوحي به من التفاؤل وما يعبر عنه من ضرورة الاستجابة لدعوة جلالة الملك نصره الله إلى تعبئة جميع المؤسسات وانخراط جميع المواطنين بروح المسؤولية والالتزام والحماس في إنجاز الإحصاء العام والتي تُذَكر كل مواطن بضرورة الوعي بأن بناء المستقبل هو عمل يومي، يعتمد على التزام كل واحد منا واضطلاعه بمسؤوليته الفردية والجماعية.
حضرات السيدات والسادة،
لا يفوتني أن أغتنم هذه الفرصة دون أن أتقدم بعميق الشكر والامتنان إلى شركائنا ممثلي منظومة الأمم المتحدة في بلادنا وخاصة صندوق الأمم المتحدة للسكان وصندوق الأمم المتحدة للطفولة على دعمهم التقني والمادي طوال هذه العملية. كما أود أن أشيد بشكل خاص بالدور الحيوي الذي لعبته وسائل الإعلام، إذ رافقنا رجالها ونساؤها طوال فترة عملنا. وأنا على يقين بأنهم سيواصلون لعب دور حاسم في تحسيس المواطنين بالمراحل المقبلة للإحصاء وضمان نجاح هذه العملية الوطنية الكبرى.
وأود أن أؤكد مجدداً أن الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024 يتعدى كونه مجرد عملية إحصائية، بل هي فرصة لتعزيز الروابط مع السكان الذين تشكل ثقتهم وتعاونهم جوهر نهجنا. فنحن نؤمن بأن نجاح هذه العملية يرتكز على هذا الأساس المتين.

زر الذهاب إلى الأعلى