الدار/ تحليل
الدعوات التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تنظيم عملية هجرة جماعية غير شرعية يوم 15 شتنبر الجاري عبر سبتة المحتلة ليست مجرد محاولة صبيانية كما يعتقد البعض، بل هي دعوات منسقة من غير المستبعد أن تكون مقصودة من جهات لا تريد الخير لهذا الوطن، وتسعى إلى زعزعة أمنه واستقراره. نقول هذا الكلام ونحن نستحضر ما حصل في صيف 2022 عندما قام مئات المهاجرين السريين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء بمحاولة اقتحام جماعي لسياج مدينة مليلية المحتلة، وأسفرت المحاولة عن حادثة مأساوية أودت بحياة العديد من المغامرين بسبب السقوط من السياج والتعرّض إلى الرفس.
حاولت بعض الجهات حينها الاصطياد في الماء العكر وترويج الأكاذيب بشأن تعامل السلطات الأمنية مع المهاجرين السريين، وسرعان ما اتضح تورط السلطات الجزائرية في التحريض على هذه العملية والمتاجرة بدماء النازحين واللاجئين الأفارقة الأبرياء. وبما أن فضاء التواصل الاجتماعي أصبح مجالا مفتوحا للتحريض وزرع الفتن والقلاقل والتنسيق العلني لتنظيم الجرائم والمؤامرات فإن ما يحدث منذ أيام من خلال نشر هذا الخبر وتداوله ومشاركته على نطاق واسع لا يخرج عن دائرة هذا النمط من العمليات المدبرة التي تستهدف تهديد الأمن، وتوريط بلادنا في أزمات دبلوماسية مع شركائنا الأوربيين الذين تجمعهم بالمغرب اتفاقيات ملزمة في مجال ضبط عمليات الهجرة السرية.
لذلك فإن الإجراءات الأمنية الاستباقية التي اتخذتها السلطات العمومية حل ضروري وناجع لتجنب حالة الفوضى أو الانفلات التي تريد هذه الجهات افتعالها. لكن هذه المقاربة الميدانية لا تكفي وحدها، هناك عمل ضروري يجب القيام به على مستوى تتبع الجهات التي تقف وراء النشر والدعوة والترويج. ومن المؤكد أن خيوط هذه الدعوات ستصل في النهاية إلى المصدر ذاته الذي كان وراء ما حدث في سنة 2022. يجب أن ندرك أن النظام الجزائري لا يبخل بأي جهد أو مبادرة تهدف إلى التأثير في استقرار المغرب وأمنه، وكيف لا يفعل ذلك، وهو الذي يحاول منذ أكثر من 50 عاما استنبات دويلة وهمية في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
ومن المؤكد أن الحزم والصرامة مطلوبان أيضا على مستوى معاقبة أصحاب الحسابات والصفحات والمواقع التي دعت إلى هذه العملية أو حرضت عليها. ما حدث يجب ألّا يتكرر لأنه يمس سمعة المغرب ويهدد استقرار علاقاته مع جيرانه الأوربيين، ولا سيّما مع الجارة الإسبانية. ونحن نستحضر في هذا السياق أيضا أن السلطات الجزائرية لم تعد تخفي امتعاضها بل غضبها الشديد من انتعاش العلاقات المغربية الإسبانية، خصوصا بعد أن دخلت هذه العلاقات مرحلة تاريخية جديدة في أعقاب اعتراف مدريد بالسيادة المغربية على الصحراء. تنظيم عمليات هجرة جماعية عبر سبتة أو مليلية المحتلتين يمثل ضربا لعصفورين بحجر واحد.
من جهة تحاول الجزائر ضرب مصداقية المغرب وجهوده المبذولة في مجال الحد من الهجرة السرية وتأمين حدوده البحرية، ومن جهة ثانية تحاول الضغط على إسبانيا من خلال الإيهام بقدرتها على السماح لأفواج من المهاجرين السريين بالوصول إليها. والدليل الإضافي على ذلك هو أن الجزائر لا تربطها أيّ اتفاقيات خاصة بمكافحة الهجرة السرية مع الاتحاد الأوربي، ولذلك فإن قوارب الموت التي تخرج من السواحل الجزائرية نحو إسبانيا أضحت تغادر بكثافة كبيرة وتصل إلى السواحل الإسبانية دون توقف. ما نؤكد إذاً اليوم ليس فيه أدنى مبالغة، ومسؤولية الجزائر التي أنفقت المليارات ضد وحدة المغرب واستقراره، ليست بعيدة أبدا عن محاولة التشويش على جهوده في الحد من الهجرة السرية وإحراجه. لذلك على الذين يواصلون الترويج لهذه الدعوات في مواقع التواصل الاجتماعي أن يعوا أنهم قد يقعون دون أن يدركوا ذلك تحت سيطرة جهات لها رهانات أكبر من رهاناته الشخصية أو الضيقة.