أخبار الدارسلايدرفن وثقافة

خيبات الكابرانات تتواصل من ميادين الدبلوماسية إلى ساحات التراث الثقافي

الدار/ تحليل

كان من الممكن أن يكون قفطان النطع الفاسي الشهير في قائمة التراث الجزائري لولا يقظة السفير المغربي لدى منظمة اليونيسكو سمير الدهر. هذه هي المحاولة المائة بعد الألف التي يسعى من خلالها نظام الكابرانات إلى السطو على مقوّم من مقومات التراث المغربي، ونسبته إلى التراث الجزائري المزعوم، على الرغم من كل التحذيرات والسوابق التي حدثت في الماضي. يصرّ هذا النظام المفلس تراثيا وثقافيا وسياسيا أن يغطي إفلاسه هذا بمحاولة الاستحواذ على معالم من الحضارة المغربية العريقة في اللباس والطبخ والصناعة التقليدية وغيرها من مقوماتنا الأصيلة. وتعكس هذه المحاولة الجديدة التي كشفها السفير المغربي على هامش اجتماع اللجنة الحكومية لصون التراث غير المادي التابعة لمنظمة “يونيسكو” التي انعقدت مؤخرا بالباراغواي، الهوس الذي يسكن قادة هذا النظام تّجاه كل ما يمتّ إلى المغرب بصلة.
من المؤكد أن الأمر لا يتعلق بسقطة جديدة عابرة، بل يتعلق باستراتيجية مدروسة يتبناها النظام الجزائري، في محاولة منه لتجريد المغرب من كافة مقومات تراثه، وإنشاء ملف تراثي للجزائر التي تفتقد للحضور الثقافي على صعيد منظمة اليونيسكو أو باقي المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في مجال الحفاظ على التراث والثقافة. وبدلا من أن ينشغل هذا النظام بتثمين الموروث الثقافي القبائلي أو التركي أو حتّى الفرنسي الذي يعدّ جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البلاد، يفضل أن يتطاول باستمرار على مقومات الحضارة المغربية، ويخلق جدلا وهميا حول تراث محسوم الأصل والهوية. لا أحد في هذا العالم يمكن أن يجادل في أن الكسكس أكلة مغربية، وأن القفطان لباس مغربي وأن الزليج جزء أصيل من الصنعة اليدوية والحرفية للمغاربة.
وحده هذا النظام الكاره لكلّ ما هو مغربي، يحاول أن يطعن في هذه الشرعية وهذا الانتماء، ويبحث في الوقت نفسه عن سرقة التراث المغربي، على الرغم من فشله في العديد من المحاولات السابقة، ومع أن هذا التراث المغربي معروف لدى جلّ دول العالم، وتحفظه الكثير من الوثائق والتسجيلات والمواد الإعلامية القديمة والحديثة. ولعلّ هذا الإصرار على الرغم من الفشل يعود بالأساس إلى أزمة الهوية المتأخرة التي يعيشها النظام الجزائري في الوقت الحالي. وهي في الحقيقة ليست أزمة شعب وأمّة بقدر ما هي أزمة هذا النظام الذي يسيطر على مقاليد السلطة. فالجزائريون على غرار باقي شعوب الدنيا قادرون على الرغم من كل الصعوبات والتحديات على بلورة هوية خاصة انطلاقا من المقومات التاريخية والجغرافية والقومية المتاحة.
لكن إصرار هذا النظام على تقمص هويات غير جزائرية، وعلى رأسها طبعا الهوية المغربية، يعكس أن الأمر لا يتعلق فقط بالمطلب الثقافي، بقدر ما تقف وراءه أساسا غايات سياسية ضيقة، وعلى رأسها معاكسة المغرب في شتى الميادين والمنتديات. بإمكان النظام الجزائري أن يقدم ملفات لتثمين الموروث في اللباس التركي على سبيل المثال، وقد نجح في ذلك، وبإمكانه أن يقدم ملفات حول بعض الأكلات الجزائرية المأخوذة من العهد العثماني، وقد فعل ذلك ونجح فيه، لكنه لا يكتفي ويريد أساساً أن يحوّل القضية الثقافية ومسألة الهوية إلى صراع سياسي ومطيّة لإظهار الهيمنة والتفوق.
لكن ما حدث مؤخرا في الباراغواي على هامش اجتماع اليونيسكو يؤكد مرة أخرى أن هزائم النظام الجزائري على الصعيد السياسي والدبلوماسي في مواجهة المغرب، تمتد أيضا إلى الجانب الثقافي والتراثي. ومثلما خسر هذا النظام معركته الخبيثة ضد الوحدة الترابية للمغرب، وحصد الكثير من الخيبات في الآونة الأخيرة، فإنه يُمنى أيضا بهزائم أخرى في معارك اللباس والمطبخ والمعمار والموسيقا وغيرها من المقومات الثقافية التي تعكس أصالة الأمم وحضارة الشعوب. وما دام نظام الكابرانات مهووسا بهاجس تحقيق انتصار على المغرب، مهما كانت كلفته أو أبعاده، فإن التراث الجزائري الذي ينبغي الاعتناء به سيكون مصيره هو أيضا الضياع والتبديد.

زر الذهاب إلى الأعلى