أخبار الدارسلايدر

الإذاعة المغربية من صوت المقاومة إلى منبر التنوير

الدار / بقلم الدكتور الحسين بكار السباعي

في هذا اليوم 13 فبراير ، يحتفي العالم باليوم العالمي للإذاعة، ذاك الصوت العابر للحدود والزمن، الذي ظل شاهدا على تحولات الأمم وصانعا للتاريخ، أقرته اليونسكو اعترافا بمكانة هذه الوسيلة الإعلامية الفريدة. وفي خضم هذا الاحتفاء، يسلط الضوء على دور الإذاعة في التوعية بقضية التغير المناخي، وفي المغرب، لهذا اليوم العالمي رمزية أعمق ، إذ يتزامن مع الذكرى التاريخية لقرنٍ إلا قليل على انطلاق البث الإذاعي الوطني، حين صدحت أولى الكلمات عبر الأثير سنة 1928، إبان عهد الحماية، لتؤسس لعلاقة متينة بين الشعب وأمواج الصوت الهادرة بالمعلومة والمعرفة والنضال .
ففي مسيرتها الأولى، كانت الإذاعة الوطنية تحت وصاية وزارة البريد والبرق والهاتف، قبل أن تنتقل تباعا بين وزارات الإعلام والداخلية ، وصولا إلى وزارة الإتصال، مما يعكس أهميتها الإستراتيجية في صياغة الوعي العام . ومع فجر الاستقلال، بزغ عهد جديد للإذاعة، حيث إستعادت هويتها الوطنية، وتحررت من قبضة المستعمر، وأصبحت منبرا لصوت الشعب المتعطش للحرية ،و تحمل رسائل الاستقلال والسيادة.

لم يكن المغرب مجرد متلق لهذا الوسيط الإعلامي، بل سارع إلى الالتحاق بالركب الدولي، حين إنضم إلى “الاتحاد الأوروبي للإذاعة” عام 1957، بفضل جهود رواد الإعلام المغربي، وعلى رأسهم الدكتور المهدي المنجرة ، الذي طبع بصمته في مسار الإذاعة والتلفزة المغربية، بل وكان له تأثير في مستقبل الإعلام الإذاعي على المستوى الدولي.
أما إذاعة طنجة، فقد حملت على عاتقها رسالة أسمى من مجرد نقل الأخبار أو الترفيه، إذ كانت منبرا للمقاومة، ولسان حال المناضلين ضد الاستعمار، فاستحقت أن تكون مقاومة بحد ذاتها . كانت الأثير الذي يتردد صداه في آذان الوطنيين، والمنارة التي يسترشد بها الأحرار، ترسل إشاراتها المشفرة للفدائيين، وتربط أواصر النضال بين مناطق مغربية فرقها الإحتلال الفرنسي والإسباني والمنطقة الدولية. وكانت صوت الملك الراحل محمد الخامس وهو في منفاه ، تنقل إليه نبض الوطن، وتحمل لآذان المغاربة بشرى الاستقلال.
وعندما عاد السلطان إلى أرضه، كان صوت الإذاعة حاضرا، يرافق خطواته، ويوثق لحظات الإعلان عن نهاية زمن الحماية، وبزوغ شمس الحرية . ومنذ ذلك الحين، أصبحت الإذاعة المغربية جزءا من نسيج الوطن، تحتكرها الدولة لعقود حفاظا على دورها الإستراتيجي ، قبل أن تفتح أبواب التحرير الإعلامي عام 2006 ، إيذانا بمرحلة إعلامية جديدة ، حيث تعلقت الآمال بولادة إذاعات خاصة قادرة على خلق تنوع إعلامي يليق بجمهور يتجاوز 16 مليون مستمع أسبوعيا .
لقد بات واضحا أن المشهد الإذاعي المغربي لا يزال في حاجة إلى مزيد من التجديد والإبداع، حيث يتطلب الأمر تطوير المحتوى وتحقيق التوازن بين الجودة والتأثير، حتى تحقق هذه الإذاعات رسالتها الحقيقية في خدمة المواطن، وتعزيز المشهد الإعلامي الوطني.

ختاما وها نحن اليوم نشهد نشهد على ما يزخر به الفضاء السمعي المغربي بـ 18 خدمة إذاعية خاصة و11 إذاعة رقمية، تتكامل مع 5 إذاعات وطنية و11 جهوية، مما يتيح للمستمع حرية الاختيار في أغلب ربوع الوطن ، إلا أن التحدي الأكبر يبقى في مدى قدرة هذه الإذاعات على التجديد والمواكبة، حتى تظل الإذاعة، كما كانت دائما، مرآة للواقع، وصوتا للحقيقة، ورفيقا للأجيال عبر الزمن ، وليبقى سؤالنا هو ، هل حققت الإذاعات الخاصة الإضافة المرجوة ؟

ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
رئيس مكتب سوس ماسة للمرصد الدولي للإعلام وحقوق الانسان.

زر الذهاب إلى الأعلى