سلايدرمغرب

المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا

الدار / بقلم الذكتور الحسين بكار السباعي

تحولت القارة الإفريقية في خضم التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، إلى ساحة صراع مفتوح بين القوى الكبرى، حيث تتشابك المصالح وتتعقد التحالفات في معادلة يصعب تفكيك خيوطها . فبينما تعزز إيران وروسيا نفوذهما عبر وكلاء محليين ، تسعى الصين والولايات المتحدة إلى تأمين موطئ قدم استراتيجي في القارة الغنية بالموارد الطبيعية ، مما يجعل إفريقيا ، ولا سيما منطقة الساحل وشمال القارة ، مسرحا لمواجهة غير معلنة تتجاوز مجرد التنافس الاقتصادي إلى صراع على النفوذ السياسي والأمني .

إيران ، التي تنتهج سياسة التغلغل غير المباشر، توظف تحالفاتها مع الجزائر وصنيعته بوليساريو و الجماعات الإرهابية المسلحة في الساحل الإفريقي لتحقيق أهدافها التوسعية . فمن خلال دعمها اللوجستي والعسكري لهذه الأطراف، تسعى طهران إلى إضعاف القوى الإقليمية المنافسة، وعلى رأسها المغرب، الذي يمثل حاجزا صلبا أمام تمدد نفوذها في شمال وغرب إفريقيا . وفي ظل هذا السياق، يرتبط الدور الجزائري ارتباطا وثيقا بالأجندة الإيرانية، إذ توفر الجزائر الغطاء السياسي والدعم المادي للبوليساريو، مما يسهم في إدامة حالة عدم الإستقرار في المنطقة.
على الجانب الآخر ، تتحرك روسيا وفق مقاربة مختلفة، حيث تستخدم مجموعة فاغنر كأداة لتعزيز نفوذها في دول الساحل الإفريقي ، مستغلة الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب التدريجي للقوى الغربية . فاغنر، التي تنشط في مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وتشكل عنصرا فاعلا في إعادة تشكيل موازين القوى ، تمثل امتدادا للنفوذ الروسي ، ليس فقط في المجال الأمني من خلال مديرية المخابرات العسكرية الروسية GRU ، بل أيضا في التحكم في الموارد الطبيعية، من ذهب وغاز ومعادن نادرة، وهي ثروات تجعل القارة الإفريقية محور تنافس عالمي محموم.

الصين، التي تعتمد على دبلوماسية الاقتصاد والإستثمار، تسعى بدورها إلى تأمين مصالحها في إفريقيا من خلال ضخ إستثمارات ضخمة في البنى التحتية والموانئ ومشاريع الطاقة. لكن على الرغم من خطابها القائم على مبدأ “عدم التدخل”، إلا أن نفوذها المتزايد يثير قلق القوى الغربية، التي ترى في التمدد الصيني تهديدا لمصالحها التقليدية. الولايات المتحدة، من جهتها، تكثف جهودها لتعزيز وجودها في القارة عبر مقاربة أمنية واقتصادية مزدوجة، إذ تعمل على تقوية تحالفاتها مع الدول الإفريقية المستقرة، وفي مقدمتها المغرب، الذي أضحى محورا استراتيجيا في التصدي للنفوذ الروسي والإيراني، وتعزيز الاستقرار في منطقة الساحل.
في ظل هذا المشهد المتشابك، يبرز المغرب كقوة إقليمية ذات تأثير متزايد، مستندا إلى موقعه الجيوسياسي الفريد، واستراتيجيته القائمة على تعزيز الشراكات الدولية، خاصة مع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب دوره المحوري في دعم الأمن الإقليمي، سواء عبر التعاون العسكري أو المشاريع التنموية التي تهدف إلى تقوية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الدول الإفريقية الشريكة. كما أن دوره في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية يجعل منه فاعلا أساسيا في السياسات الغربية تجاه إفريقيا، ما يمنحه موقعا متقدما في أي معادلة جيوسياسية تخص القارة.

ختاما ،وفي ظل هذه التفاعلات، يبقى السؤال المطروح ، إلى أي مدى ستتمكن القوى الكبرى من فرض أجنداتها في إفريقيا، وهل تستطيع دول القارة، وعلى رأسها المغرب، تحقيق توازن يحفظ استقلالية القرار الإفريقي، ويحول دون تحولها إلى مجرد رقعة شطرنج تتحكم فيها القوى الخارجية ؟

زر الذهاب إلى الأعلى