التعاون العسكري المغربي الدولي و أهمية المناورات المشتركة وأبعادها
التعاون العسكري المغربي الدولي و أهمية المناورات المشتركة وأبعادها

يمضي المغرب بثبات في تعزيز مكانته كقوة إقليمية ذات ثقل عسكري وسياسي ، مستندا إلى رؤية استراتيجية واضحة تجمع بين تطوير قدراته الدفاعية وتعزيز شراكاته الدولية.
فالمناورات العسكرية الكبرى التي تحتضنها أراضي المملكة ، سواء في الصحراء المغربية أو على مقربة من الحدود الشرقية، ليست مجرد تدريبات روتينية، بل تجسيد لقدرات المملكة الدفاعية لمواجهة التحديات الأمنية، والرفع من جاهزيتها لحماية سيادتها.
فالتعاون العسكري الدولي ركيزة أساسية في إستراتيجية المغرب ، وقد تجلى هذا التعاون في العديد من المناورات المشتركة التي تجمع بين القوات المسلحة الملكية ونظيراتها من الدول الصديقة، في إطار شراكات استراتيجية تهدف إلى تبادل الخبرات وصقل المهارات وتعزيز التنسيق العملياتي في مختلف السيناريوهات القتالية.
و من بين أبرز هذه التدريبات المشتركة، تبرز مناورات “جبل الصحراء” التي تجمع بين القوات المسلحة المغربية ونظيرتها البريطانية والتي كانت إنطلاقتها الأولى سنة 1989، و تجرى بشكل دوري لتعزيز التعاون العسكري ، وتبادل التكتيكات الحديثة في البيئات القاسية، حيث يشارك فيها نخبة من القوات الخاصة المغربية، بما في ذلك الوحدات الخاصة للدرك الملكي واللواء الأول والثاني للمشاة المظليين والفوج الأول لرماة الأطلس، إلى جانب وحدات القوات الخاصة البريطانية ، مما يضفي عليها طابعا تكتيكيا متقدما يعزز من القدرات القتالية للوحدات المشاركة.
ولا يقتصر التعاون العسكري المغربي على بريطانيا، بل يمتد ليشمل فرنسا من خلال مناورات “الشركي”، التي تعد من أبرز أوجه التعاون الدفاعي بين البلدين، حيث تهدف إلى تعزيز العمل المشترك في مجالات الدفاع الجوي والمناورات البرية والبحرية، بما يضمن تحقيق تناغم عملياتي يواكب التحديات الأمنية المستجدة.
إن التعاون الوثيق بين المغرب وقوى عظمى، كأمريكا وفرنسا وبريطانيا ، يعكس الثقة التي يحظى بها الجيش المغربي باعتباره شريكا موثوقا في تعزيز الإستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب. ففي الوقت الذي تنغمس فيه بعض الأطراف في سياسات عدائية ومحاولات لزعزعة الأمن والاسترار الدوليين ، يمضي المغرب قدما في ترسيخ موقعه كركيزة أساسية في بناء الأمن في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، معتمدا على خبرته في التصدي للتهديدات الإرهابية وتعزيز التنسيق العسكري مع القوى الدولية.
من هنا كذلك تأتي مناورات “الأسد الإفريقي”، التي تنظم سنويا بالتنسيق مع القيادة الأمريكية في إفريقيا، لتؤكد الأهمية الاستراتيجية للمغرب في المنطقة، حيث يتم خلالها تنفيذ تدريبات واسعة النطاق تشمل محاكاة سيناريوهات قتالية متطورة وتنسيق عمليات التدخل السريع والاستجابة للطوارئ، ما يرسخ مكانة المغرب كشريك رئيسي في الأمن الإقليمي والدولي.
وتعد هذه التدريبات المشتركة إحدى الركائز الأساسية في السياسة الدفاعية للمغرب، إذ لا تقتصر أهميتها على تطوير القدرات العسكرية، بل تشمل أيضا تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية مع القوى العالمية، بما ينعكس إيجابا على استقرار المنطقة. كما أنها تمثل محطة أساسية في مسار تحديث القوات المسلحة الملكية، عبر الاطلاع على أحدث التقنيات القتالية والاستراتيجيات الحديثة التي تمكن من التعامل مع التهديدات المتغيرة.
لقد فرض المغرب معادلة جديدة في ميزان القوى، لا ترتكز على سباق تسلح عبثي وكمي ، بل على تطوير منظومة عسكرية متكاملة تجمع بين التخطيط الاستراتيجي، والتكنولوجيا الحديثة، والتحالفات الذكية. وبينما يجد خصومه أنفسهم في عزلة دبلوماسية متزايدة نتيجة سياساتهم العدائية، يواصل المغرب تعزيز حضوره الدولي، مستندًا إلى سياسة حكيمة تجمع بين القوة العسكرية والسياسية والديبلوماسية الرشيدة. إن كل مناوراته وتدريباته العسكرية ليست مجرد استعراض للقوة، بل رسالة واضحة بأن المملكة ثابتة في دفاعها عن وحدة أراضيها، وراسخة في نهجها كقوة تنشد الأمن والاستقرار، دون أن تسمح لأي كان بالمساس بحقوقها المشروعة.
ختاما ، إن استمرار هذه المناورات وصيانتها يعكس التزام المغرب بتقوية شراكاته العسكرية وتحقيق جاهزية دفاعية عالية تضمن حماية مصالحه الوطنية وتعزيز دوره في الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في قضية الصحراء المغربية
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية.