وجهة نظر قانونية بخصوص إلتقاط صور لموقوفين أو معتقلين إحتياطيا

يشكل القيام بتصوير شخص موقوف داخل سيارة الشرطة وهو في حالة تصفيد أو أثناء تقديمه أمام المحاكم ، ثم تسريب الصورة أو الفيديو عبر تطبيقات التواصل الإجتماعي، إنتهاك صارخ للمقتضيات القانونية التي تحمي الحق في الصورة وقريتة البراءة والحياة الخصوصية للأفراد . فالقانون المغربي كغيره من التشريعات المتقدمة ، يكرس حماية صارمة للحياة الخاصة، حيث ينص الفصل 24 من الدستور على أن لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة، وهو ما يجعل أي إعتداء على هذا الحق، سواء من قبل أفراد عاديين أو موظفين عموميين، أمر غير مقبول قانونا.
القانون الجنائي المغربي جاء واضحا في معاقبة مثل هذه الأفعال، حيث يعاقب الفصل 447-1 بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل من قام عمدا بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص في مكان خاص دون موافقته. كما أن الفصل 447-2 يجرم نشر أو بث صور أو تسجيلات صوتية أو مقاطع فيديو لشخص دون موافقته، إذا كان من شأن ذلك الإضرار بسمعته أو حياته الخاصة. وفي حالة الشخص الموقوف، يكون الضرر أشد لأنه قد يؤدي إلى التشهير به قبل أن تثبت إدانته قضائيا. هذا الفعل لا يشكل فقط جريمة تشهير، بل هو أيضا انتهاك لمبدأ أساسي في قانون المسطرة الجنائية، وهو مبدأ قرينة البراءة، الذي ينص على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بموجب حكم نهائي.
وإذا ثبت أن الفاعل هو أحد أفراد الشرطة أو موظفا عموميا أو أحد رجال العدالة ، فإن الأمر يأخذ أبعادا أكثر خطورة، لأن هاؤلاء هم المسؤول عن حماية و نفاذ القانون وليس إنتهاكه. في هذه الحالة، لا يواجه المتورطون فقط المسؤولية الجنائية، بل أيضا عقوبات تأديبية صارمة، وفقا للقوانيين المنظمة لوظائفهم ومهنهم ، والتي تفرض عليهم إحترام واجب التحفظ والسرية المهنية، وعدم إساءة إستخدام السلطة أو استغلالها في تصفية الحسابات الشخصية أو تحقيق أغراض غير مشروعة.
ذلك أن مثل هذه الأفعال تضر بثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وقد تؤدي إلى التشكيك في نزاهة المساطر القانونية وإحترام الحقوق الدستورية للمواطنين. فمثلا رجل الأمن ليس فقط مسؤولية عن حفظ النظام، بل هو أيضا مؤسسة يجب أن تكون نموذجا في إحترام القانون وضمان العدالة. كما أن تسريب صور الموقوفين الموضوعين تحت تدابير الحراسة النظرية أو الإعتقال الإحتياطي قد يشجع على إنتهاكات أخرى، مثل الإبتزاز أو الإستغلال الإعلامي، مما يزيد من خطورة الظاهرة ويجعل التصدي لها أمرا ضروريا للحفاظ على هيبة القانون.
ختاما ، في مجتمع يحترم الحقوق والحريات، لا يمكن القبول بممارسات من شأنها أن تهدد كرامة الأفراد، بغض النظر عن وضعهم القانوني. وعلى كل من له اتصال بموقوف محروس أو متهم معتقل إحتياطا ،أن يكون أول من يحترم الضوابط القانونية والأخلاقية، لأن العدالة لا تتحقق إلا عندما يتم إحترام حقوق الجميع دون تمييز أو إستثناء. فالتصدي مثل هذا الفعل الشاد يتطلب تطبيق القانون بصرامة، وتوعية بخطورة مثل هذه الأفعال، وتفعيل آليات المراقبة الداخلية لضمان عدم تكرارها، حتى تظل مؤسساتنا وفية لرسالتها الأساسية، وهي حماية المواطنين وإحترام حقوقهم، لا التشهير بهم أو انتهاك خصوصياتهم.
د/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة اكادير والعيون مقبول لدى محكمة النقض
باحث في الهجرة وحقوق الإنسان