أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

تونس تتحول في عهد قيس سعيد إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم

تونس تتحول في عهد قيس سعيد إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم

الدار/ تحليل

في وقت كان الأمل يراود شعوب شمال إفريقيا بعودة العلاقات المغربية التونسية إلى طبيعتها، جاءت تصرفات الرئيس التونسي قيس سعيد مخيبة لكل التوقعات. فقد أقدم مؤخرًا على استقبال ممثل عن جبهة البوليساريو، الكيان الانفصالي الذي لا يحظى بأي اعتراف من الدول العربية باستثناء الجزائر. هذه المشاركة جاءت ضمن مؤتمر نظم بالعاصمة تونس تحت شعار “بناء التماسك الاجتماعي في عالم متغير”، الأمر الذي أثار استغراب المراقبين: عن أي عالم يتحدثون وهم يستضيفون كيانا لا يعترف به أحد؟

هذه الخطوة ليست معزولة، بل تأتي في سياق سلسلة من المواقف التي اتخذها قيس سعيد، والتي عكست انحيازه الكامل للخط الجزائري في قضية الصحراء المغربية، في تناقض صارخ مع الخط التاريخي لتونس الذي كان يرتكز على الحياد الإيجابي ومحاولة التقريب بين الأشقاء بدل تغذية الخلافات.

ما يزيد الأسف أن هذا الانحراف السياسي ترافق مع تدهور اقتصادي ملحوظ، حيث تسجل تونس اليوم واحدة من أدنى نسب النمو في المنطقة، متأثرة بنهج اقتصادي مشوه يحاول استنساخ نموذج الجزائر المعتمد أساسًا على عائدات النفط والغاز، وهو أمر غير ممكن في تونس التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية الكافية. وفق تقارير صندوق النقد الدولي (أبريل 2025)، لم تتجاوز نسبة النمو التونسي 1,4%، مقارنة بـ3% للجزائر و3,9% للمغرب.

الصور لا تكذب؛ فقد سبق أن استقبل قيس سعيد زعيم البوليساريو إبراهيم غالي في عام 2022 وكأنه رئيس دولة، كما شارك لاحقًا إلى جانبه في مؤتمر بالجزائر سنة 2024 عن “المغرب الكبير الجديد” الذي تم تنظيمه دون المغرب، ليكون بذلك أول رئيس تونسي يتخذ مواقف مماثلة، في قطيعة مع أسلافه من بورقيبة إلى الباجي قائد السبسي الذين تمسكوا بسياسة الحكمة والاتزان.

لمن يعرف التاريخ العريق لتونس، من قرطاج وهنيبعل، يبدو هذا الانحراف مؤلمًا. تونس التي كانت منارة للفكر والسياسة والوساطة في شمال إفريقيا، تتحول تدريجيًا إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى قيادة واعية تدفع نحو الوحدة والتنمية.

إذا كانت هناك آمال معلقة على مستقبل مشرق للمغرب العربي، فإن ذلك لن يتحقق إلا بعودة تونس إلى جادة تاريخها المضيء، وتخليها عن الارتهان لخيارات لا تشبهها، ولا تليق بثقلها الحضاري والسياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى