أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

ابن كيران ولعبة خلط الأوراق: حين تُختزل الوطنية في شعارات مستوردة

ابن كيران ولعبة خلط الأوراق: حين تُختزل الوطنية في شعارات مستوردة

الدار/ تحليل

في خضم مشهد سياسي مغربي يبحث عن الوضوح في الأولويات الوطنية، خرج عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حزب العدالة والتنمية، بتصريحات مثيرة للجدل حين قال: “لا فرق بين المغاربة والفلسطينيين سوى الجغرافيا”. هذه العبارة العابرة للحدود جغرافيًا وفكريًا، لا يمكن أن تُقرأ ببساطة كتعاطف إنساني، بل تكشف عن نزعة مقلقة لطمس الهوية الوطنية تحت لافتات قضايا خارجية.

ابن كيران، ومن خلال ربطه المصطنع بين قضايا المغرب الداخلية وقضية فلسطين، يغامر بوضع الهوية المغربية على محك المزايدات العاطفية. فحين يصبح الانتماء للوطن مشروطًا باعتناق أجندات سياسية خارجية، تتحول الوطنية إلى مفهوم مُفرغ من مضامينه الواقعية والمتجذرة في التاريخ المغربي. الأخطر أن ابن كيران لا يتوقف عند حد التعبير عن موقف شخصي، بل ينزلق إلى اتهام كل من يخالفه الرأي بـ”العمالة للاحتلال”، في قفزة لغوية خطيرة تستهدف تخوين معارضيه الوطنيين.

هذه التصريحات تطرح تساؤلات ملحة حول حدود الخطاب السياسي في المغرب: هل يحق لزعيم سياسي أن يستخدم قضايا خارجية لابتزاز الرأي العام داخليًا؟ وهل يمكن اختزال نضال المغاربة من أجل السيادة والوحدة في مجرد تضامن مع قضايا لا خلاف على عدالتها، ولكن لا يجب أن تكون سيفًا مسلطًا على رقاب المختلفين معه فكريًا؟

الوطنية الحقة لا تحتاج إلى شهادة من أحد، ولا تُقاس بمدى رفع الشعارات أو المزايدة في قضايا خارج الحدود. المغاربة خاضوا معاركهم عبر التاريخ دفاعًا عن وطنهم واستقلال قرارهم السياسي، دون أن يسمحوا لأحد بأن يصادر أصواتهم أو يزايد على إخلاصهم. أما أن تُستخدم قضية فلسطين – بكل رمزيتها وعدالتها – كورقة لتمرير خطابات التخوين والابتزاز السياسي الداخلي، فهو أمر لا يخدم لا فلسطين ولا المغرب، بل يفتح الباب أمام تمزيق وحدة الصف الوطني.

إن محاولة ابن كيران لصبغ الوطنية بمعايير مستوردة لا تليق بتاريخ المغرب ولا بتضحيات شعبه. المغرب بلد له هويته المستقلة، وجذوره العميقة، ونضاله من أجل قضاياه الوطنية يجب أن يظل بمنأى عن الاستغلال السياسوي لأي قضية خارجية مهما كانت نبيلة.

السياسة تحتاج إلى مسؤولية، وليس إلى استعمال العواطف كسلاح ضد الخصوم السياسيين. والمغاربة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى خطاب سياسي يحترم ذكاءهم ويحترم أولوياتهم الوطنية الحقيقية، بدل الهروب إلى قضايا لا ينبغي استخدامها مطية لحسابات حزبية ضيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى