العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية
العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية

في مشهد سياسي وإعلامي ،تتبع العالم وأثار الكثير من الإستغراب، مما أثار الحنق . لقد أطلق النظام الجزائري العنان ، لإعلامه الرسمي ، لهجوم فج ضد دولة الإمارات العربية المتحدة ، مستخدما لغة بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية، وعن مقتضيات التواصل السياسي الرصين بين الدول.
تقرير بثته القناة الجزائرية الرسمية لم يكتف بتوجيه النقد، بل إنحدر إلى مستويات غير مسبوقة من السب والشتيمة، ناعتا الإمارات بالدويلة المصطنعة، ومستهزئا بمكوناتها الحضارية والإنسانية، مقابل تغن مبتذل بالذات الجزائرية، دون وعي بأن المقارنة باتت اليوم تفضح الفارق الصارخ في مسارات التنمية و التخطيط و الرؤية المستقبلية.
تصعيد إعلامي غير مبرر، تم على خلفية مشاركة مؤرخ جزائري في برنامج إماراتي، أشار فيه إلى دور الإستعمار الفرنسي في تشكيل النزعات القبلية ذات الحمولة الأمازيغية، في معرض تحليله لتاريخ الجزائر. لكن هل يعقل أن تنفجر أجهزة الدولة الجزائرية،لمجرد تصريح أكاديمي قابل للنقاش العلمي؟ تصريح غير صادر عن جهة رسمية وسياسية ، الواقع ليس إلا القشة التي حاول النظام الجزائري توظيفها للتغطية على إحتقان داخلي متزايد ،للفت أنظار شعب يعاني طوابير الحليب والزيت والسميد ، إلى “عدو خارجي” جديد، يعزز به منظومة الخوف التي يتقن صناعتها منذ عقود.
فمند ساعة قيامه ، يعيش النظام الجزائري على هاجس العدو الوهمي، فقد صنع من المغرب عدوه الأبدي، وإفتعل أزمات متتالية لتبرير إخفاقاته، وها هو اليوم يفتح جبهة عداء جديدة مع الإمارات، في وقت تدعو فيه موازين القوى الإقليمية والدولية إلى بناء تحالفات إستراتيجية، لا إلى صناعة خصومات مجانية. فالإمارات ليست فقط دولة ناجحة في مؤشرات التنمية والتقدم التكنولوجي والدبلوماسي، بل هي فاعل إقليمي له حضوره في ملفات دولية كبرى، من الأمن الطاقي إلى إستقرار المنطقة العربية، مرورا بالحوار بين الحضارات.
في المقابل، يعيش النظام الجزائري حالة إنعزال إستراتيجي، ويعاني من سياسات متخبطة تقوده إلى صدام مع الجميع ، بدءا منا جاره المغرب ، ومع دول الساحل بسبب دعم الارهاب والجريمة المنظمة، ومع أوروبا في ملفات الطاقة والهجرة، ومع فرنسا في الذاكرة والتاريخ، ومع إسبانيا في شراكات المتوسط، وها هو يضيف الإمارات إلى قائمة خصوماته، وكأن الجزائر تتهيأ لعزلة ممنهجة وموت ديبلوماسي متسارع في محيط متغير.
إن الخطاب الجزائري المعادي للإمارات يكشف عجزا هيكليا في الرؤية السياسية، إذ بدل الانكباب على معالجة مشاكل الداخل، وتجاوز إخفاقات الإقتصاد، وإحتواء حركات الرفض الشعبي المتزايد ، يختار نظام العسكر سياسة الهروب إلى الأمام، عبر إفتعال خصومات تخدم فقط تأبيد سلطته، وتفكيك وحدة الشعب الجزائري عبر خطاب المؤامرة الخارجية. ولعل أخطر ما في هذه السياسة، أنها تهدد بتقويض ما تبقى من فرص إندماج مغاربي وإقليمي ، وتعطل إمكانيات التعاون العربي في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى تنسيق أكثر من أي وقت مضى.
فالمستقبل القريب مرشح لأن يشهد مزيدا من التوتر إذا لم يتدارك حكماء و عقلاء ومتنوروا الجزائر هذا الانزلاق الإعلامي و السياسي غير المسبوق ، فالإمارات ليست من الدول التي تسكت عن الإساءة، لكنها في الوقت ذاته ليست من دول التأزيم المفتعل، وقد ترد بحكمة دبلوماسية تحرج النظام الجزائري أمام شعبه والعالم. أما الشعب الجزائري، فبات أكثر وعيا من أن تنطلي عليه تلك الأساليب ، ويطرح اليوم أسئلة حقيقية عن الفارق بين الإمكانات المهدورة في بلاده، والانجازات المتحققة في دول أقل موارد وأكبر طموحا.
ختاما ، إن تمادي النظام الجزائري في إنتاج الأعداء لن يكون له إلا أثر عكسي، فالعزلة الخارجية لا تبنى معها شرعية، والشتائم لا تنتج تنمية، والإفتراء لا يصنع احتراما دوليا. ولعل هذا الهجوم الجديد على دولة بحجم الإمارات، في هذا التوقيت الحرج، لن يقرأ إلا كمؤشر جديد على اهتزاز الثقة داخل قصر المرادية ، وخوف نظام أوليكارشي من شعب بات يقارن، ويسائل، ويحلم بدولة مدنية تتصالح مع نفسها قبل أن تتصالح مع الآخرين.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرةوحقوقالإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.